علي سعد الموسى
في حادثة تدافع منى تبرز كل الأسئلة. لكنه من الخطأ الفادح أن نقفز إلى الجواب والاستنتاج دون تثبت أو براهين، وبالخصوص في حادثة مؤلمة كبرى يشرف خادم الحرمين الشريفين شخصيا على أوراق تحقيق مسبباتها، وتستأثر منه بالاهتمام الأولي لحظة بلحظة. حادثة منى، وحتى تنتهي لجنة التحقيق العليا من أعمالها، ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها السياسي إلى الإجرامي وانتهاء بالإهمال أو الصدفة. من عبث (السياسي) مثلا ذلك التصريح المشبوه لنائب وزير الخارجية الإيراني.... ومتى... بعد الحادثة بعشر دقائق، وأنا هنا سأقول إنه من الخطأ الفادح حتى أن نقرأ تصريحه المريض كدليل شبهة. القصة حمالة أوجه. حادثة منى وقعت في مكان ثانوي من هذا المشعر الحرام، وكما شاهدنا جميعا في أطرف خاصرة رخوة جدا جدا جدا قد لا تحتاج سوى لبضعة جنود لحفظ الأمن في حارة هامشية وفي تقاطع شارعين لا يمكن لأي عقل أن يستوعب أنهما قد يكونان موقع كارثة بهذا الحجم في أهمية هذين الشارعين الهامشيين الثانويين في تدفق الحجيج وطبيعة مناسك الحج. سعادة اللواء منصور التركي، المتحدث باسم وزارة الداخلية، ذكر في مؤتمره الصحفي أن أسباب الكارثة مفتوحة على كل الاحتمالات. وأنا اليوم لن أستنتج ولن أقفز إلى الإجابات والاحتمالات، لكن مكان الكارثة وحجمها يدفعانني إلى الصورة السوداء كي أكتب احتمالية العمل المدبر.
&
نحن في خارطة عالمنا الإسلامي سكان منطقة موبوءة ملتهبة. من بوكوحرام الأفريقية إلى قاعدة أفغانستان، ومن دواعش الشمال وحزب الجريمة في لبنان إلى الهوس الحوثي في اليمن. وقد يقول لي أحدكم استحالة أن تفعل هذه الميليشيات المريضة ضربتها الغادرة في موسم حج. الجواب في غاية البساطة: هذه التنظيمات المجرمة هي من فجرت وقتلت آلاف المصلين في قلب 187 مسجدا في قلب خارطة العالم الإسلامي نفسه، ولعل آخرها مسجد البليلي في صنعاء، فهل سنبلع بسذاجة أنها قد تتورع عن قتل مئات الحجاج لأنهم في شارع ثانوي في مشعر منى؟ بوكوحرام نفسها تعلن مسؤوليتها عن تفجير 21 مسجدا في نيجيريا، لكننا شعوب لا تقرأ أرقام الأخبار بالعناية التي تستحق. قد يقول لي أحدكم: ولكن كيف يجرؤ هؤلاء على قتل مسلمين يؤدون الركن الخامس؟ الجواب في غاية البساطة، هي التنظيمات نفسها التي بادرت وللمرة الأولى في التاريخ بقتل عشرات المسلمين وهم على وشك بدء وجبة سحور الركن الرابع في حادثة (المحيا) التاريخية بقلب الرياض.
سأختم: نحن لا نريد القفز إلى الجواب ولا إلى الاستنتاجات، فقد تبرهن النتائج أن بعض هواجسي أو كلها حول هذه القضية غير صحيحة البتة. لكن الحقيقة تبقى أننا نستطيع إدارة وتموين وحفاظ أمن وسلامة مليوني حاج، لكننا لن نستطيع أن نضمن، مهما كانت الاحتياطات، محاصرة بضعة عقول مريضة جاءت لهدفها المشبوه. القصة برمتها حمالة أوجه.
التعليقات