سمير عطا الله

عندما بنينا منزلنا الريفي قبل نحو 11 عامًا، كان اختيار الأثاث سهلاً ومنتظرًا: ما بقي من مفروشات من أثر أمي، وطقم من المقاعد كان في دار أبي، ولوحة قديمة تمثل القرية نفسها. الصعوبة كانت في اختيار الكتب.


المفترض أن المرء لا يمضي في المنزل الريفي وقتًا طويلاً، فأي نوع من القراءات نحمل إليه؟ ولكن هل الإنسان الذي يقرأ في العطل، هو غير الذي يقرأ في أيام الأسبوع؟ فكرت أن الأفضل هو أن نضع في الجبل الكتب التي أعدت قراءتها مرات عدة. ثم قلت إذا كانت قد قُرئت ثلاث أو أربع مرات، ألا تستحق أن تُقرأ من جديد؟
إذن، فلتكن الكتب التي لا تستحق الحفظ في بيروت. ولكن هل هذا يعني أنها تستحق الحفظ في الجبل؟ ثم قررت أن أقدم الكتب «الزائدة» إلى مكتبة القرية، فرحتُ أحاول أن أصنف ما يذهب وما يبقى. وسرعان ما اكتشفت أن «ما يذهب» لا يجوز التبرع به، وما يبقى حرام التخلّي عنه. وأخيرًا قررنا أن نضع قسمًا لا بأس به في القرية، وكلما قرأنا عددًا من الكتب نعيدها معنا إلى بيروت.


في السبعينات، «اكتشفت» خلال الإقامة في نيويورك، الشاعر والاس ستيفينس، الذي كان محاميًا في شركة تأمين خلال النهار، ويكتب أرق الشعر وأعمقه في الليل. وقد فرحت «بالاكتشاف»؛ ففي حين كان الآخرون يقرأون تي إس إليوت، وعزرا باوند، كنت أتمتع بقراءة الذي كتب إلى إليوت: «قولوا إلى X (إن الكلمة ليست صمتًا قذرًا). اقتضى التوضيح».


رغم نشرات الطقس المكررة، قررنا نهاية الأسبوع الماضي الصعود إلى الجبل، على أن نعود في اليوم نفسه. لكن بعد قليل على وصولنا بدأ الثلج بالتساقط. هل نعود بسرعة قبل أن يتكاثف ويسد الطرقات؟ لا. سوف أبقى هنا لأستعيد المشاهد التي عرفتها طفلاً: كل ما حولك بياض وبرد وليس عندك سوى مدفأة تؤنس المكان بدفء وبطء.


في ذلك الحصار الجميل لم يبقَ كتاب إلا وعدت إليه. وفوجئت أنه لم يكن هناك كتاب لا يعاد إليه. وقررت أن «أبادل» بين مكتبة الجبل ومكتبة بيروت. وفيما كنت بين أنس الثلوج وأنس المدفأة، رحت أقرأ في ديوان ستيفينس:
آه، ريح الليل، تنهدي من أجلي بين أوراق السنديان الصاخبة/ متعبٌ أنا، فنامي من أجلي، السماوات التي على التلّة/ اصرخي من أجلي عاليًا ثم عاليًا، أيتها الشمس المرحة عندما تستيقظين.
&