خالص جلبي
أذكر جيداً واقعة الاصطدام بالتيار السلفي المتشدد في مناقشة دامت عشر ساعات، كان بجانبي يومها تلميذ الأستاذ «جودت سعيد» رقم واحد، أستاذ الرياضيات المميز «بكري النحاس»، وكان في الطرف المقابل من مجموعة السلفيين رجل فاضل هو من أكثر تلامذة الشيخ ناصر الدين الألباني تشدداً.
طرحت يومها السؤال: لماذا تقدم الغرب وليس عنده الكتاب والسنّة، وتأخر المسلمون وعندهم الكتاب والسنة؟
دام النقاش عشر ساعات في عدة جلسات، وتم تسجيل المناظرة حتى لا يحصل تحريف في النقل. وكانت النتيجة صفراً، إن لم تكن بآثار نفسية سلبية، ونقلت تفاصيل المناقشة للشيخ الألباني، والذي كنا في نظره من المنحرفين عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
والشيء ذاته تقريباً حصل معي في الأردن حين دعيت إلى منتدى «سجى» حيث تم النقاش حول بعض المفاهيم الإسلامية، مثل الجهاد والتغلب والحكم، وقدمت بعضاً مما كتبت إلى دار نشر في عمان عندما رأيت حماسة صاحب الدار للأفكار، وكان خطأً وعجلةً مني. فقد أعاد إلى المخطوطة لاحقاً، يقول فيها إنني استشهدت بالآية والحديث، لكني لست على مذهب أهل السنة والجماعة! وهنا أدركت، كما يقول ابن تيمية، أن لكل منا قرآنه وسنته.
وفي سجن الحلبوني عام 1973 التقيت بفريق من جماعة «الإخوان المسلمين»، فكان النقاش يشبه تتبع أغصان الشجرة، وصولاً إلى النتيجة في النهاية، وسجلت تلك النقاشات وقمت بتهريبها من السجن بكتابتها على (ورق السجائر) وفي أطراف الملابس، وكان الحال أفضل مما هو عليه في أيام بشار الأسد.
بعد خروجي من السجن كتبت كتابي «في النقد الذاتي وضرورته للحركات الإسلامية»، والذي نشر عام 1982، ومن استفاد منه كانوا هم المغاربة، حيث انتبه بنكيران وعبدالله باها وآخرين من الحركة الإسلامية، إلى أهمية الإفكار الواردة فيه، فدرّسوه لمئات من شباب الحركة، فنجوا من المذبحة وأصبحت حركتهم تعمل بشكل استراتيجي على منهج العلم والسلم، وهو خيار تشهد له النتائج.
ولعل أصعب نقاش هو مع صنفين من الإسلاميين متناقضَين، السلفيون و«حزب التحرير» الذي يرفع شعار الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية، وهو شعار «داعش» الذي ظهر للوجود في صيف 2013.
ويظن الكثيرون أن «داعش» يمثل شذوذاً على جميع المدارس الفقهية التقليدية، لكن حسب ما جاء في مجموعة «يتفكرون»، نقلا عن المدعو «أبو حفص المغربي» (عبدالوهاب رفيقي) المعتقل السابق الذي كان يعد أحد أبرز الوجوه السلفية، فإن شعار «داعش» له وجود في بعض كتب الفقه القديمة. قال الرجل إنه، وبعد سنوات من الاطلاع على الفتاوى والمراجع التقليدية التي كتبت حول التكفير، وجد أن الدولة لو أصدرت قانوناً يجرِّم التكفير لكانت محقة في ذلك، لأن التكفير حكم والأحكام أمرها إلى الله عز وجل، وليس من مسؤولية أحد أن يكفر فلاناً أو يضع له حكماً. وحين يبحث الرجل عن جذور هذا الاتجاه الدموي فسيكتشف أنه لم يأتِ من فراغ، بل شجعت عليه بعض كتب وأدبيات الفقه التقليدية. لذلك يعتقد «أبو حفص» أنه ينبغي انتقاد المنظومة الفقهية التي يعتمدها تنظيم «داعش، بدل الاكتفاء باستنكار ما يفعله التنظيم.
&
التعليقات