سمير عطا الله

ليس أنقى من صفحة المرآة، ومع ذلك توصف بأنها مخادعة! لماذا؟ لأنك لا ترى فيها سوى نفسك، ولا أحد سواك. وعندما يتألف عالمك منك وحدك، يميل طبعك، تلقائيًا، إلى الظلم، لأن الآخر لا وجود له ولا مكان. وإذا حاول الاقتراب ليظهر إلى جانبك، بدا متسللاً ومتطفلاً.


تعلمنا المرآة أن الفردية نزعة متوحشة لأنها ضد شريعة الخلق. ذروة الجهل، الأنانية. عدم الإقرار بالآخر، غطرسة ليس على الآخر، بل على سنة الحياة والوجود. أساس الخلق سعة الخلق. ما من كائن واحد على هذه الأرض، لا الحجر ولا المياه ولا الشجر ولا مليارات المخلوقات التي سرها عند خالقها.


بعد حروب دامت مئات السنين حوِّلت أوروبا إلى مدافن ومستشفيات، ومصحات عقلية، ومآوي مشردين، ومصانع عكازات. أيقن الأوروبيون أن العنصرية القومية قتل، والعنصرية المذهبية قتل جماعي، والعنصرية العرقية هبل دموي. وأدخل الأميركي رجلا أسود إلى البيت الأبيض بعدما ظل طوال عقود يكتب على أبواب المطاعم والفنادق والجامعات «ممنوع دخول السود والكلاب».


ومن دون أن نتعرف إلى أنفسنا جيدًا، لا يمكن أن نعرف حقيقة الحياة. وعندما نتعرف إليها، ولو قليلاً، نعي أن الذي يمضي نهاره وعمره في المقهى ليس من العدل أن تكون حصته من الحصاد حصة الذي يمضي نهاره وعمره في المصنع والمكتب والمتجر. المقهى حصاده الخمول والفقر، ولا معادلة أخرى في الحياة. نجا لاجئ أفريقي من الغرق، ثم ربح في إسبانيا ورقة اليانصيب و400 ألف يورو. لكن هذه حالة واحدة. هناك أربعة آلاف لاجئ غرقوا ولم يربح أحد منهم ليرة واحدة. يأتي المهاجرون إلى الغرب ليلعنوا أهله وعاداته وحياته «المادية». ويتهمونه بظلمهم وإهمالهم. لكن لائحة أغنى 500 بريطاني يتصدرها كل عام خمسة هنود في المراتب الخمسة الأول.

وجميعهم وصلوا من مناشئ متواضعة. الجامعات الهندية تخرِّج، منذ عقود، كفاءات علمية ممتازة. من تُخرج الجامعات العربية، التي فقدت، هي أيضًا، تقاليدها ومكانتها؟
موجات التدمير التي تفتك بالأمة مسؤولية أهل العِلم، وليس الجَهلة. هم من عليه إعادة النظر في الغطرسة النافية لكل ما عدانا. وهم من يجب أن يقوِّم إلى ماذا وإلى أين أوصلنا غرور أعداء المعرفة. لم تتغير المعادلة منذ البدء، فما زال الفارق بين العلم والجهل، كالفارق بين الجهل والعلم، النور.
&