جميل الذيابي

قبل تسعة أشهر تقريبا، كتبت مقالة بعنوان «اطردوا الأشرار»، ومازلت عند رأيي أن لبنان بسبب بعض أبنائه، يشكل عالة على نفسه وعلى دول الخليج، خصوصا السعودية التي دعمته ووقفت معه كثيرا، ولكنها لم تجد منه سوى الجحود والنكران وتسويق الأكاذيب واستثمار اللحظات الحرجة للطعن فيها.

لبنان بات مستعمرة إيرانية تقف ضدنا ويتجاهل ساستها مواقفنا في الأزمات، وتصر أن تصبح خنجرا في الظهر، ويصمت أغلب أهلها ولا ينبسون بكلمة واحدة ضد أبواق تروج الأباطيل. لماذا نجامل بلادا تؤيد جرائم نظام الأسد ويرتهن قرارها للخصم الإيراني، وتقدم النكران على رد الجميل.

بعد تلك المقالة «اطردوا الأشرار»، أشاع لبنانيون متسلقون منافقون، أن الحكومة السعودية منعتني من مهاجمة لبنان، وقد كانوا يمنون أنفسهم ولو بالكذب والدجل، مع احترامي الكبير للأصدقاء الصادقين منهم وليس «الثعالب» الطائفيين، الناقمين على كل المواقف الخليجية.

لا يزال في كل مرة، يتساءل المواطن الخليجي عن أسباب تفضيل وتدليل الحكومات الخليجية للبنان على من سواه من دول عربية أقرب لنا، لحمة وتأييدا، على رغم أنه وقف ضدنا في «عاصفة الحزم»، ثم فجرها أخيرا بالامتناع عن تجريم حرق إيران للسفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، على رغم أن كل الدول العربية أجمعت على موقف موحد، ما عدا النشاز اللبناني المتلحف بعباءة «الولي الفقيه».

علينا أن نسأل أنفسنا ونتجرد من عواطفنا ماذا استفادت الدول الخليجية من لبنان سوى الصداع والمشكلات وحلب الجيوب والمقابل صفر مكعب.!

لماذا لا يسأل اللبنانيون أنفسهم؟! هل هناك دولة وقفت مع لبنان في كل الأزمات والحروب مثل السعودية، حتى تمكنت من نزع الفتيل، ومنها لا حصرا «اتفاق الطائف» الذي أوقف الحرب الأهلية الطاحنة، إضافة إلى المساعدات والمشاركات الفاعلة في حلحلة أزماته، لا كما تفعل إيران في ساحاته من تفريق بين طوائفه ومذاهبه!.

أيضا، كم حجم الأموال التي يجنيها اللبنانيون من دول الخليج مجتمعة، وكم يعيش عليها من بيت وأسرة بلا منة وكم تدر عليهم وعلى وأحزابهم من الفوائد والعوائد؟

أين تستثمر أموالنا وهباتنا ومساعدتنا للبنان؟ أليس استثمارها يتحول ضدنا في «منابر حزبية طائفية» همها شتم البلدان الخليجية ووصفها بالرجعية، خصوصا من عملاء إيران المارقين مع صمت الباقين على فبركة الحقائق وتسويق الأكاذيب.

تخيلوا حتى بعض عناصر المؤسسة العسكرية (الجيش) التي دعمتها السعودية على مر عقود، أخرجت المجرم ميشيل سماحة من سجنه، وهو من خطط لتفجير لبنان، علما أن تلك المؤسسة لا تزال تتلقى الهبات والمساعدات والسلاح للقيام بدورها الوطني لا أن تتحول خنجرا إيرانيا.

في دول الخليج أكثر من نصف مليون لبناني، من كل الطوائف والمذاهب، وفي السعودية لوحدها نحو 300 ألف، يحصدون شهريا ما يتجاوز عشرة أضعاف ما يتلقاه اللبناني العامل في بلاده. هذا بخلاف لبنانيين آخرين يعملون في مؤسسات سعودية وخليجية خارجية، بعضها إعلامية، يتقاضون مبالغ عالية توفر لهم وعائلاتهم الأمان، لكنهم لا يكترثون بأزماتنا، ويتهكمون بمواقفنا ويؤيدون المواقف المضادة ويصطفون معها.

هل تستطيع بلادهم «الخانعة» تحت وطأة جرائم الأسد وأزلام إيران تحمل عواقب رد فعل صريح من دول الخليج يقضي بإبعادهم من دول الخليج، ليواجهوا مصيرهم بعيدا عنا، طالما ليس لديهم الاستعداد لقول الحقيقة على الأقل وتفنيد الأكاذيب، خصوصا في الأزمات والملمات.

نفس السؤال الذي طرحته مرات عدة أعيده مرة أخرى، أليس على الحكومات الخليجية، الاستفادة من تلك «القوة الناعمة» والحضور اللبناني الطاغي في دولها كأوراق ضغط مؤثرة في تلك الأحزاب المنضوية تحت «عباءة» الخميني و«مخابرات» الأسد، أو إبعاد كل منتم لأحزاب تلك التيارات.

أين صوت الجاليات اللبنانية في السعودية ودول الخليج؟ لماذا تصمت في هذه الأوقات الحرجة؟! متى سنسمع بعضا من صوتها؟!

نحن في مرحلة مواجهة ومكاشفة ولا بد من التكشير عن الأنياب وتهشيم العواطف، واللحظة مواتية لإبعاد كل من يضمر لنا شرا، فالصامت عن الحق شيطان أخرس، ولابد من معاملة اللبناني «الإيراني» بشكل يليق بمواقف حزبه وتياره، بعد أن صمتوا وخذلونا أو اصطفوا علانية ضدنا..

للأسف، لا يزال بعض اللبنانيين يمارسون الاستهجان والانتقاص من القرارات الخليجية، ولنا في هاشتاقاتهم على تويتر أخيرا أمثلة حية، منها الساخر «بس تفلس السعودية»، هؤلاء لو تمكنوا من إشعال الفتن في بيوتنا، لما ترددوا لتحقيق مصالحهم الضيقة ومآرب أحزابهم الحاقدة الذين لا يرون في بلداننا أكثر من بئر نفط وحلب جيوب من «هيدا الخليجي».!

خليجيو اليوم واعون، ولن يقبلوا تنظير ممن فشلوا في التوافق على اختيار رئيس لبلادهم نحو عامين، ويتحدثون عن أوضاع دول آمنة مستقرة، تشكل اليوم أقوى كتلة صلبة في المنطقة تواجه الأزمات بكل حزم.

يكفي أن يعلم كل مرتزق وعميل لإيران أن السعودية ودول الخليج العربية يكفيها فخرا أنها بلدان تحكم نفسها بنفسها، وليست تحت الوصاية الإيرانية أو تحركها مخابرات الأسد، وتعرف كيف تواجه، وليست ساحة للصراعات والمزايدات الرخيصة والمتاجرة وبيع الضمائر.

على دول الخليج قرع الجرس واتخاذ موقف صارم يلجم المتطاولين، ومن يقف وراءهم ويحرضهم على تشويه صور دولها وشتم شعوبها والتشنيع بمواقفها بسبب «هيدا الكرم الزائد»!.

الأكيد أن في لبنان شرفاء وكرماء، لكن هناك عملاء وخونة وأقزام، وعلى الشرفاء وهم كثر، رفع الصوت وإطلاق الألسن كما يفعل الصديق النبيل نديم قطيش لفضح تلك الأبواق والتيارات «المشحونة» بعواطف خمينية بدلا من استمرائها اللعب على الحبلين.