سكينة فؤاد

الذين يرفضون الاعتراف بأن ماحدث فى 25 يناير 2011 ثورة، ينكرون ما عاشه عشرات الملايين من المصريين طوال عشرات السنين من قهر واستبداد وفساد وافتقاد العدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والحق فى العيش الآمن، وكل ما نادوا عليه وطالبوا به فى أغلب ميادين مصر، أيضا من ينكرون أن ما حدث فى 25 يناير هو ثورة وانفجار براكين غضب لشعب أهدرت آدميته وأبسط حقوقه.. هؤلاء الرافضون ينكرون أن المصريين شعب يكمن.. يصبر.. يحتمل ولكن لايموت مهما احتمل من آلام وصبر على مكروه وقهر وحرمان.

لا أريد بالسطور السابقة أن أنضم إلى معركة لا زمانها ولا توقيتها ولا لزوم لها، بين من يؤيدون ومن ينكرون.. ولكن أن أوجه التحيه والاحترام لكل ماكشف عنه المصريون من مخزون كرامة وصلابه وإصرار كانت المعامل الحقيقى وراء رأس ورموز النظام المسئول عما تعرضوا له من تجريف لقيمهم ولهويتهم الثقافية والحضارية والإنسانية والإيمانية.. إن ماحدث فى 25 يناير 2011 كان بكل المقاييس ثورة شعبية عظيمه لا ينفى أن المنطقة كلها ـ وفى القلب منها مصر ـ كانت داخل إطار مخطط استعمارى أمريكى صهيونى للتقسيم وهدم الدولة الوطنية وتجديد وتصحيح «سايكس بيكو» القديمة، وإعادة ترسيم حدود المنطقة بدماء أبنائها، وأن هناك أدوات صنعت وجهزت فى كل بلد للعمل بالوكالة لتنفيذ المخطط، وعلى رأسها جماعة الإخوان وما تكشف ويتوالى تكشفه من أبعاد كارثية للمخطط، وأموال دفعت، وشخصيات للأسف استقطبت.. وفى رأيى أن ثورة الشعب المصرى وانفجار غضبه وخروج جموعه تهدر ابتداء من 25 يناير 2011 هو ما قام بحماية مصر من المصير الذى عاشه ويعيشه الشعب السورى الشقيق، وقبلهم شعوب العراق وليبيا واليمن. لا أريد أن أطيل فى حقائق ساطعة كالشمس، وما أردته فقط أن أوجه التحية فى ذكرى 25 يناير إلى أصحابها وهم جموع وملايين أبناء مصر الذين حرموا جميع استحقاقات وأولويات الحقوق الآدمية، ولا أعرف كيف يستكثرون عليهم بعد نفاد جميع أرصدة صبرهم أن ينتفضوا ويغضبوا ويعلنوا الثورة على صناع الكوارث والانهيارات التى كانوا ينسحقون ويستذلون ويهانون تحتها؟

على سلم دار القضاء العالى السلم المواجه لمبنى الإسعاف بشارع رمسيس ـ فى منتصف نهار 25 يناير 2011 شاهدت لحظات الميلاد الأولى للثورة ـ كنت أقف وسط جموع حاشدة من مختلف الأطياف الوطنية ـ والأعمار شبابا وشيوخا.. نساء ورجالا.. رأيت جموع المواطنين تتدافع وتتزايد وتتنادى وتتجمع صفوفها وكان ميدان التحرير وجهتهم.. لم أكن وحدى التى أمتلك إيمانا قاطعا أن لحظة انفجار كبرى قادمة.. كانت الأحداث المأساوية التى تتجمع فى سماء مصر تنذر بأن دعوات المظلومين التى تظل معلقة بين السماء والأرض ستنفذ وتفعل فعلها بمشيئة إلهية ـ كتبت قصة قصيرة من القصص التى أكتبها حنينا إلى زمن الأديبة التى أطلقت عليها الرصاص، قصة من قصص كثيرة أكتفى بكتابتها لنفسى وأنشغل عن نشرها بقتال ودفاع عن وطن أذوب عشقا فى حبات ترابه.. كانت القصة عن انسداد جميع الآفاق بدعوات المظلومين، وانسداد شرايين الحركة والحياة وأنه لابد من حدث كبير ضخم .. مدو.. زلزال يفتح الأفق وشرايين الحياة المسدودة.

قبلها كانت قد صدرت أوامر عليا بإيقاف كتاباتى فى «الأهرام» التى توجت بحملة صحفية مطولة عن الإبادة الجماعية التى يرتكبها النظام ضد الأمن الحيوى والصحى والقومى لمصر والمصريين، مردود الحملة الصحفية كان أكبر من كل ما توقعت، وواصلت تقديم وتوثيق مخططات التطبيع والتدمير الزراعى مع كبير مسئولى تنفيذ التطبيع الزراعى لحرمان مصر من أمن وأمان الاعتماد على أرضها وزرعها والاكتفاء من محاصيلها الأساسية، وفى مقدمتها القمح، وأثبتت الحملة الصحفية وإمكانات هائلة وثروات طبيعية وعلمية وتراث حضارى فى ثقافة وتراث فلاحيها للاقتراب من حدود الاكتفاء الذاتى إن لم يكن تحقيقه بالكامل، وكيف يصادر هذا الحق ويدعى استحالة تحقيقه، سواء من شركاء ومنفذى التطبيع الزراعي، ومافيا استيراد وما ينفذ من برامج زراعية صهيونية تتبع وزارة دفاع العدو باعتبارها من أخطر أسلحة التدمير من خلال استخدام الهندسة الوراثية استخداما شيطانيا للعبث بالخصائص الوراثية للأرض والمياه والزرع والثروة الحيوانية والداجنة والأسماك، وقبلها الخصائص الوراثية للبشر فى الوطن العربي، وفى مقدمتهم أبناء مصر، كل ما كتبت حرصت على توثيقه علميا وبشهادات علماء وخبراء أمناء وطنيين.

وكان هذا هو الإيقاف والاستغناء الثانى عن كتاباتى ووجودى الصحفي، بينما كان الاستغناء الأول من الوزير الشهير لإعلام النظام الأسبق، شغل المنصب لسنوات طويلة بترتيبات وتنفيذ من حوارييه والموظفين التابعين له، ودون الدخول فى تفاصيل قصة ظلم واستقواء واستبداد بالسلطة، جئت الأهرام أحتمى وقلمى بقلعته ومؤسسته الكبيرة.

ولم يكن إيقافى ومنع كتاباتى وارتحالى وتهديدى إلا نقطة متواضعة فى بحور الظلم والظلمات التى تخبط وغرق فيها ملايين المصريين، خاصة إن لم يكونوا منتسبين ومنسبين لأحلاف السلطة الرأسمالية المتوحشة، ما حدث لى قصة طويلة ليست محور ما أكتب الآن، فقصة الظلم والتجريف والتدمير الذى عانته وعاشت تحته الجموع الغالبة من المصريين أكبر وأعظم، وانفجار الملايين وغضبها وثورتها كان ضرورة حياة لإنقاذ وطن عظيم كان على وشك تدمير ما يمتلئ به من مقومات وعناصر قوة طبيعية، رغم ما سلب ونهب ودمر والقضاء على أعظم ثرواته وعناصر قوته وهو الإنسان، لتلتحق مصر بمخطط الانهيار الذى عاشه ويعيشه حتى الآن دول وأشقاء أعزاء، ولولا إرادة من الله ووعده بالأمان والسلام لهذه الأرض الطيبة، وبإرادة شعب عظيم يكمن ويصبر، وكل المحن والتحديات التى مرت به عبر تاريخه العميق والطويل، كان كما تقول عقيدته المصرية القديمة إنه مثل طيور النار يخرج منها أكثر قوة وصلابة، وبدعم واستجابة من جيشه. لا ينفى هذا ما حدث منذ 25 يناير 2011 من سلبيات وأخطاء وتقصير ومخططات تآمر واختطاف للثورة، وإنقاذ لها بالموجة العظيمة لثورة 25 يناير بما حدث فى 30 يونيو، وما تكشف ومازال الكثير لم يتكشف بعد، كل هذا لا ينفى عن 25 يناير أنها ثورة وغضبة شعب على ما ارتكب بحقه خلال عشرات السنين من أخطاء وخطايا وتبديد لقواه ولثرواته وسرقة أمواله وملياراته التائهة والمخبأة فى أنحاء الدنيا، ورغم كل ما تعرض له المصريون من أزمات ومهددات اقتصادية واجتماعية وإنسانية، وانهيارات فى البنية الأساسية (80% من قرانا بلا صرف صحي، وبلا مياه شرب نظيفة)، وانهيارات غير مسبوقة فى التعليم والصحة.. عوائد سنوات الفساد والاستبداد والنهب والتدمير، هذا المشهد البائس والحزين لا يجد السادة اللصوص والمسئولون عما آلت إليه أحوال مصر وازعا من ضمير إيمانى أو وطنى لتقديم مبادرة لكشف وإعادة جزء من هذه الثروات لأصحابها، بينما الحكم الوحيد فى القضية التى سمح بالمحاكمة والمحاسبة والتى قضت بأن الرئيس الأسبق سهل لنجليه ولنفسه الاستيلاء على المال العام المملوك للدولة، هذا الحكم ووفقا للآراء المتضاربة للنائب العام السويسري، لا يصلح للاستناد إليه لرد 590 مليون فرنك لا يعرف النائب العام السويسرى هل تعود لمصر أم للرئيس الأسبق ورموز نظامه!! لا أظن أن ثروات وأموال المصريين المنهوبة أخفيت تحت الأرض أو فى مغارة مسحورة قدر ما فى اعتقادى أنه توافر لهم من وسائل الحماية والتهرب والتهريب وعدم وجود حساب جاد وحقيقى يلزم ويفرض إعادة كل ما نهب وسلب بغير حق من استحقاقات المصريين، أو توافر القوانين التى تجعل التهرب والتنصل من رد هذه الاستحقاقات مستحيلا.

&&

&

&

&

&

&

&

&

&

&