عادل درويش
معلّق سياسيّ مصري مراسل في برلمان ويستمنستر وداوننغ ستريت، ومؤرخ متخصص فى السياسة الشرق اوسطية.
خسرت حكومة ديفيد كاميرون قضية رفعها مواطن متقاعد ضد وزارة العمل والمعاشات التي تمول من ميزانيتها الرعاية الاجتماعية ومنح إسكان ومساعدة المعوقين والعاطلين عن العمل.
جاء الحكم يوم الأربعاء، ساعتين قبل المساءلة الأسبوعية لرئيس الحكومة في مجلس العموم كذخيرة سياسية في يد المعارضة.
محامو الحكومة قرروا الاستئناف. جوهر القضية إجراءات التقشف التي فرضها زير المالية لتعويض ديون بالمليارات تركتها الحكومة العمالية (1997 - 2010) وهو ما دفع بأغلبية الناس لانتخاب المحافظين لا العمال تجنبًا لتكرار الكارثة الاقتصادية.
شمل التقشف تقليل منحة الإسكان ضمن المعونات الاجتماعية حسب عدد غرف المسكن. فمثلاً أسرة من شخصين تخير بين الانتقال من مسكن (تدفع الحكومة إيجاره كاملاً) ذي أربع غرف إلى مسكن أصغر حجمًا، أو أن تدفع فارق الإيجار (للغرفة الزائدة) من ميزانيتها الخاصة. القانون أعمى في زمن استمارات يملأها الكومبيوتر تلقائيًا بلا انتباه لحالات فردية.
المواطن الشاكي في الستينات يسكن معه حفيد معوق في الخامسة عشرة يحتاج للرعاية على مدار الساعة. محاميه أقنع المحكمة بأن الغرفة الإضافية ليست زائدة عن الحاجة بل لإقامة متقطعة لمتخصص تندبه المفوضية الصحية في وردية 12 ساعة يريح فيها الجد العجوز ثلاث مرات أسبوعيًا وجاء الحكم باستثناء الجد (وعشرات الآلاف من أمثاله وحالات مشابهة كأرملة يزورها ابنها مرة في الشهر ويحتاج لغرفة نوم إضافية).
الفارق بضعة جنيهات، فلماذا تتكبد الحكومة المصاريف القضائية وتخاطر بكارثة في العلاقات العامة؟
الحكم القضائي في بريطانيا يعتبر سابقة للمستقبل، وحدد للبيروقراطية تفاصيل تطبيق قانون أصدرته حكومة منتخبة وعدت بالتقشف في مانيفستو انتخابي ارتضاه الشعب.
والدرس للقراء أن القانون فوق الجميع، بما في ذلك الحكومة التي منحها الشعب تفويضا كاملاً. مهما كانت النيات الطيبة والمثالية للبرلمانات التي تسن القوانين، فإن التطبيق بما لم يقدره القانون المنسوخ يصطدم بصور أرض الواقع ويتحول إلى وحش ظالم.
وهنا يتقدم القضاء المستقل فيما يعرف بـTEST CASES قضايا اختبارية تضع مقاييس تطبيق القانون وتصبح سابقة قضائية وهي في العرف البريطاني بمثابة قانون.
الدرس هنا ليس فقط أن أقدم الديمقراطيات التي تقدم نموذجًا يستحسن الاقتداء به بل لتوظيف القضاء والقانون في حلول آنية لأزمة اقتصادية في بلدان كمصر.
&
شاركت في برامج تلفزيونية بمناسبة مرور خمس سنوات على ثورة 25 يناير لتناقش خيبة الأمل فيما حل بـ«ثورات» أو انتفاضات المنطقة، وكيفية التغلب على المشكلات الحادة.
رغم شبه الإجماع على أن غياب مشروع برنامج يطالب به الثوار (بجانب إسقاط النظام) وضرورة تطوير أنظمة التعليم التي شلت قدرة العقلية الجماعية فإنها عمليًا حلول طويلة الأجل. الحاجة الماسة في بلدان كمصر هي لحلول فورية. أزمة اقتصادية هائلة تضاعف من الآثار السلبية للأزمة السياسية، وبعد الحلول الفورية تأتي حلول المدى القصير فحلول المدى الطويل. درس خسارة حكومة كاميرون لقضية رفعها مواطن (قد يضطرها لتغيير سياستها) أثار فكرة الحل الفوري.
لا شيء يطمئن الناس في الداخل - في بلد كمصر – والخارج، أي السياح مثلما يطمئنهم الأمن وحكم القانون كرسالة سيكولوجية، والميزان الاقتصادي كرسالة عملية بأن الزائر سيحصل على «لُقطة» (من الالتقاط) أي سلعة أو خدمة بتخفيض هائل أقل من ثمنها المعتاد.
السياحة مفتاح الحل الفوري.. بنيتها التحتية جاهزة والعمالة المدربة فيها جاهزة، ولا تحتاج استثمارا يذكر، ودخلها فوري، بمجرد وصول السائح يبدأ الإنفاق من قدح الكابوتشينو إلى التاكسي.
ما دور القانون في الأمر؟
تطمئن الأم على الطفل إذا لمحت رجل بوليس يقف على ناصية شارع المدرسة. المسألة طمأنة الناس.
الذي ضرب السياحة ليس «داعش» والطائرة الروسية بل الإهمال والفوضى غير المسبوقة التي أضاعت الثقة في أمن المطارات.
في رحلتي الأخيرة من مطار القاهرة قبل شهرين، سعدت بإجراءات الأمن الجديدة. ورغم معرفة الضباط الشخصية لي، فقد أصروا على تفكيك البطارية من اللابتوب لأني لم أستطع تشغيله. وعطل مسؤول الأمن طابور المسافرين ثلث ساعة أثناء انقطاع التيار الكهربائي عن جهازي فحص أمتعة اليد ومرور الركاب، ولم يعبأ لتوسلات واقتراحات البعض بالتفتيش اليدوي. وهنأت الضابط المسؤول. هذا التحسن الكبير لم تذكره «بي بي سي» و«الجزيرة» و«الغارديان» (الصحافة «اللي عايزة جنازة وتشبع فيها لطم» بالتعبير المصري) لأنها أخبار إيجابية. نقلة حية على الواقع في تلفزيون النيل (يبث بالإنجليزية والفرنسية) مع ترجمات للغات أخرى قد يفيد.
لكن الفائدة الأكبر ستكون حكمًا قضائيًا في محكمة علنية تغطيها الصحافة العالمية.
السؤال من يقاضي من؟
حتى الآن لم يحدث تحقيق قضائي لتحديد المسؤولية في الإهمال الجسيم والتسيب في تفتيش الأمتعة والأمن والمسافرين سواء في العبوة التي سربت إلى الطائرة الروسية أو فيديوهات الدائرة المغلقة في شرم الشيخ وعدة مطارات سياحية شاهدها المسؤولون حول العالم فألغوا رحلات الطيران.
أقترح البدء الفوري في قضية اختبارية ترفعها شركة فنادق أو منتجعات سياحية أو حتى صاحب مطعم تضرر من إلغاء رحلات الطيران. قضية تعويض ضد مصلحة الطيران أو وزارة النقل أو الجهة المسؤولة عن أمن المطارات. القضية (بتوظيف علاقات عامة عالمية ذكية) ستجذب الصحافة العالمية. والحكم القضائي سيحدد المسؤولية، ولجنة تحقيق قضائي ستصدر توصيات. في الوقت نفسه يؤسس المتضررون وكالة مشتركة لأمن المطارات وأمن السياحة يوظف فيها ضباط بوليس وأمن متقاعدون أو استقالوا من الخدمة، أو ينتدب لها ضباط أمن مطارات (بإجازة دون مرتب من وزارة الداخلية) للعمل بأجور مغرية «تملا العين» وتغني عن الرشوة والإكراميات وطلب البقشيش، بحيث لا يقل أجر الحمال أو عامل النظافة عن 200 دولار شهريا (أجر معتبر في مصر) مع أوفرتايم وبدلات. ولأن المصريين هم من اخترعوا البيروقراطية في فجر التاريخ، ستصرخ البيروقراطية هانم بالصوت الحياني: هذا ضد اللوائح وضد «قوانين يوليو (تموز)». وهنا يأتي دور القانون والقضاء، إذ تقاضي الوكالة الجديدة الجهة التي ستقود جحافل البيروقراطية ضد قوى التقدم. وزارة المالية، أو وزارة الطيران والنقل أو غيرهما.
القضية بدورها ستجذب الصحافة العالمية كالأولى من نوعها ويكون أمن المطارات في جوهرها. حيثيات محامي الوكالة الجديد ستكون توصيات لجنة التحقيق القضائي حول أمن المطارات وعلى الأغلب سيحكم القضاء في قضية حق وكالة الأمن الجديدة لصالح المواطن اقتصاديا ولأمن الإنسان.. وستكون أكبر إشارة طمأنة لشركات السياحة والطيران التي ألغت الرحلات لمصر..
وللحديث عن الحلول الاقتصادية والسياسية بقية.
&
التعليقات