&جمال زهران

غريب أن يغلب الهوى فى بعض كتابات محللين يقولون عن أنفسهم انهم محللون سياسيون. حيث قرأت منذ أيام لواحد من هؤلاء يقول: وهناك من يؤيدون ترامب فى مصر!!. وتعجبت من ذلك القول وأتساءل: ألسنا أمام اثنين من المرشحين هما: هيلارى كلينتون (ديمقراطية)، وترامب (جمهورى)؟ والمؤكد أن أحدهما لابد أن ينجح، فلماذا التهكم على من يرى أن هذه أو ذاك سينجح فى الانتخابات الأمريكية؟! ألا يجب أن نبذل جهدا فى التحليل السياسى المتعمق والقادر على قراءة المستقبل بل توقع مايمكن أن يحدث، لعل فى ذلك تأثيرا فى مجريات الأمور، وتحسبا لما هو قادم، بدلا من انتظار ما يجرى ثم التصرف الرتيب كالعادة كرد الفعل لا المبادرة، وهو ما يسبب لنا خسائر فادحة نعانى منها كل يوم؟.

وعلى أية حال، ودون الخوض فى التفاصيل، فإن البعض أشاع أن هيلارى كلينتون كانت رافضة لمقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسى عند زيارته الأخيرة للأمم المتحدة فى نيويورك، والحادث أنه التقى كلا من المرشحين (ترامب وكلينتون) - كل على حدة - وتناقش كل منهما مع الرئيس السيسى. وكذبت شائعات هؤلاء، ولكن الأهم ما صدر عن الرئيس السيسى نفسه فى أحد لقاءاته الاعلامية عقب مقابلته مع المرشحين للرئاسة الأمريكية، بالقول: إن المرشح الجمهورى «ترامب» رجل قوى، لا أكثر ولا أقل. فكانت ماكينة الشائعات تنطلق بأن «السيسى» يناصر «ترامب»، الأمر الذى جعل الرئاسة تصدر بيانا على لسان متحدثها الرسمى بالقول: إن مصر لا تساند أو تدعم أيا من المرشحين.

وعلى مسئوليتى كمحلل سياسى أؤكد ما قاله الرئيس السيسى بأن «ترامب»، رجل قوى فعلا، وفى طريقه للرئاسة الأمريكية، وهذه ليست بمجازفة فى التحليل، ولكن يمكن شرح أسبابى فيما يلى:

1ـ ان اهتمام المواطن الأمريكى بمتغير السياسة الخارجية الأمريكية، محدود للغاية، وذلك ثابت فى أغلب الدراسات حول الانتخابات الأمريكية، ولا تتجاوز نسب الاهتمام 10% من حجم الناخبين الأمريكيين. ولذلك ينصرف الأمريكيون عن تناول المرشحين للقضايا الخارجية، ويركزون على رؤيتهما للقضايا الداخلية (الاقتصاد عموما ـ الضرائب ـ البيئة ـ الأجور ـ الهجرة من وإلى، ودول الجوار (كندا ـ المكسيك..)، آليات مواجهة البطالة، الشباب.. إلخ) وهذه هى القضايا الحاسمة فى المعركة الانتخابية، وقدرة كل مرشح على بلورة رؤية واقعية.

2ـ أن اهتمام النسبة المحدودة من الأمريكيين بالقضايا الخارجية، لايخرج عن الاهتمام باسرائيل (الولاية 51)، وهنا فإن دور «الايبك»، تلك المنظمة اليهودية الصهيونية فى أمريكا، وهو دور فعال، تجعل كلا من المرشحين يتسابقان فى تقديم أكبر تأييد ودعم لهذا الكيان الذى ورثته الولايات المتحدة عن أوروبا وتحملت مسئوليته تحديدا عن بريطانيا، بعد إنشائه عام 1948. ولعل القضية الثانية التى تعنى هؤلاء أيضا، بعض التطورات الحادثة فى أوروبا التى تسد الفراغ فى النظام الدولى بديلة عن أمريكا خلال فترات الانتخابات الأمريكية عادة. ولذلك كان خروج بريطانيا الاتحاد الأوروبى، له وقع الزلزال فى أمريكا.

3ـ أن الرئيس بيل كلينتون، هو الذى كسر قاعدة تكرار المدة الثانية للمرشح الديمقراطى الذى نجح لولاية ثانية (1996 ـ 2000م)، ولم يسبقه مرشح من قبل الحزب الديمقراطى، ليفتح الطريق أمام تكرار المسألة مع «أوباما» لمدتين رئاسيتين، وللمرة الثانية، وكان مفتاح السر هو تحسن الاقتصاد الأمريكى فى عهد كلينتون، بينما لم يسوء ـ رغم عدم تحسنه ـ بشهادة الخبراء فى عهد «أوباما»، خاصة أن النظام الدولى لم يكن تنافسيا وعاصفا إلا فى السنوات الأخيرة (فترة حكم أوباما الثانية 2012 ـ 2016م)، حيث أن الديمقراطيين ينزعون إلى فرض وزيادة الضرائب على الأغنياء لتوفير الموارد اللازمة لتمويل المشروعات الاجتماعية الواسعة (التأمين الصحى ـ زيادة الحد الأدنى للأجور ـ المساكن ـ الدعم ـ الخ). بينما يركز الجمهوريون على الاعفاءات الضرائبية من أجل الاستثمار وتوفير فرص العمالة.. الخ ومن ثم بعد استمرار الديمقراطيين (8 سنوات للرئيس أوباما)، فإن تغيير النظام الحاكم إلى الجمهوريين بات وشيكا ومحتملا بدرجة كبيرة، ولا ننسى أنه رغم البرنامج القوى لآل جور الديمقراطى عام 2000م، إلا أنه خسر أمام بوش الابن، وآنذاك حدثت أزمة كادت تعصف بالنظام الأمريكى كله لو تذكرون.

4ـ يصاحب دائما حكم الديمقراطيين استرخاء وضعف فى الدور الأمريكى العالمى، وهو ما يؤثر على الداخل الأمريكى، ويعكس عدم الاهتمام بالمكانة الأمريكية، بينما الأمريكيون وهم يتابعون الأداء الرئاسى يميلون إلى إظهار القوة الأمريكية، وبالملاحظة والدراسة يتضح أن دورا عالميا فاشلا صاحب فترة أوباما، مما أدى بالفضائح للديمقراطيين بشكل سافر فى داخل أمريكا، ولذلك فإن الثابت، تحولات الناخب الأمريكى إلى اختيار المرشح الجمهورى، حفاظا على الهيبة الأمريكية والميل لممارسة القوة والحرب، وهو ما يقف وراءه كارتل «الصناعى/ العسكرى» الذى يميل لذلك ويمول فى هذا الاتجاه، وفى ضوء ماسبق، وللحديث بقية بالتأكيد، فإن الاتجاه الأمريكى يسير نحو المرشح الجمهورى ترامب، ولنتابع تداعيات ما بعد المناظرة الأولى بعيدا عن الاعلام المنحاز.