نبيل عمرو
ربما أتهم بالمبالغة أو السوداوية المفرطة حين أتحدث عن الحالة النفسية للفلسطيني في هذه المرحلة من حياته مع النكبة وما تلاها، فكل ما به وكل ما حوله يصيبه بحيرة لا توصل إلى يقين، وتتجسد هذه الحالة بكثرة الأسئلة التي لا جواب عنها، وجميع هذه الأسئلة لم تكن مطروحة بقوة لا في زمن النكبة من عام 1948 حتى عام 1967، ولا في زمن الثورة، ولا حتى في زمن دولة المنفى التي كانت فيها منظمة التحرير واحدة من أقوى الدول المادية والمعنوية في منطقتنا العربية.
في هذا الزمن فُرض على الفلسطيني سؤالٌ مركزي، ما هو مستقبله في ظل سلطة يصفها القائمون عليها باللاسلطة؟ مبعث الخوف حين يطرح هذا السؤال ويكمن في أن أي جواب عنه يثير الخوف على الحاضر والمستقبل، هنالك من يدعو إلى حلها ما دامت كما يقولون مفرغة من المضمون، وثمن هذا انهيار حياة بنيت من ألفها إلى يائها على أساسات وهيكليات ومؤسسات السلطة. وهنالك من يدعو إلى بقائها مع شك عميق ومبرر في قدرتها على التحول إلى دولة تحقق للفلسطيني أمنيته الدائمة بالحياة في دولة مستقلة أسوة بباقي خلق الله في هذا العالم.
لم يكن هذا السؤال مطروحًا في كل الأحقاب الماضية.
سؤال آخر.. هل فلسطين الضائعة والمحتلة ونصف المحتلة، هي مشروع دولة، أم أنها مشروع خلافة؟
الانقسام حول هذا الأمر صار كيانيًا واجتماعيًا وحتى إداريًا وسياسيًا.
في غزة مشروع خلافة لا يعترف بوطن وفق المواصفات التي يسعى إليها من في الضفة، هذا السؤال لم يكن مطروحًا منذ بدء الخليقة حتى آخر أيام الثورة الفلسطينية المسلحة، وسؤال بهذا الحجم هو من النوع الذي يستمر ويتعمق ولا يحسم.
وسؤال آخر.. ما هي حاضنتنا الجديدة والأفضل؟ هل هي في غرفة آمنة من المبنى العربي الكبير الذي تلتهم النيران معظم جدرانه وأبوابه ونوافذه، أم أننا ولاية من ولايات خلافة عثمانية تتجدد في القرن الحادي والعشرين، إلا أنها في أمر إسرائيل تختلف عن زمن السلطان عبد الحميد الذي ضحى بنفسه دون أن يسمح باقتطاع فلسطين لليهود، أما أحفاده فهم يتخذون نهجًا مختلفًا.
وعن هذه الأسئلة تتفرع آلاف الأسئلة التفصيلية التي تطال كل مكونات الحياة الفلسطينية، ولا جواب عنها. وسؤال الأسئلة بعد ذلك كله أي جواب ينتظره الفلسطيني كي تهدأ روحه وتخرجه من الحيرة الموجعة التي هي أعمق ألمًا من كل ما أصابه في مراحل مسيرته المأساوية بما فيها من قسوة ومعاناة؟
هذه الأسئلة التي بلا جواب تتحد في الحيرة أمامها الطبقة السياسية بكافة ألوانها ورهاناتها تمامًا ككل فلسطيني مصمم على الاستمرار في العيش على أرض الوطن، وكل فلسطيني ما تزال تراوده أحلام العيش أو الانتماء لدولة مكتملة المواصفات والشروط.
وحين تستبد بالعقل والروح حيرة كهذه تظهر الحاجة لإبداع فكري وسياسي وعملي للخروج من هذه الحالة.
الطبقة السياسية المتكرسة على الجزأين المتناحرين في الوطن، لا تمتلك المؤهلات الكفيلة بإيجاد حلول، فهي ليست مجرد جزء بسيط من المشكلة الشاملة، بل هي جذر المشكلة والأكثر مسؤولية عن تفاقمها واستمرارها وتكاثر المضاعفات السلبية المنبثقة عنها، وفي وضع كهذا ليس لنا إلا أن نراهن على جديد يستحق الرهان عليه، وعلى صعوبة ذلك وغموضه فلا مناص من تركيز الرهان عليه والعمل من أجله.
التعليقات