وائل سامي السماعين

ولد عباس مدني عام 1931 في الجزائر وتتلمذ على يدي والده الذي كان امام مسجد ومعلماً للتربية الدينية.بدأ عباس مدني ممارسة العمل السياسي في الاربعينات من القرن الماضي في الحركة الوطنية الجزائرية في عهد الاستعمار وانضم الى المنظمة السرية التي فجرت الثورة التحريرية في عام 1954وكان يمثل الجناح الاسلامي الذي اسس نواة الحركة الاسلامية في الجزائر واعتقل في عام 1954 ومضى في السجن اكثر من سبع سنوات بعد مهاجمته مقر الاذاعة الفرنسية في العاصمة الجزائرية.

منذ عام 1982 اصبح ناشطا من اجل قيام دولة اسلامية وقد اعلن في شهر اكتوبر من عام 1988 تأسيس الجبهة الاسلامية للأنقاذ وانتخب رئيسا لها من طرف مجلس الشورى. في عام 1990 قاد حزبه الى اول نجاح انتخابي حيث فازت الجبهة الاسلامية بالأغلبية في مجالس البلديات والولايات في اول اقتراع تعددي منذ استقلال الجزائر عام 1962. بعدها اعتقل في شهر ديسمبر من عام 1991 وبالرغم من ذلك فازت الجبهة بالانتخابات التشريعية اي البرلمانية , حيث الغيت الانتخابات من قبل الجيش وعلى اثر ذلك تفجر العنف و سقط اكثر من 100 الف قتيل وقد حكم عليه بالسجن 12 سنة قضى منه حوالي خمس سنوات , وبعدها اخلي سبيله لاسباب صحية ووضع تحت الاقامة الجبرية في داخل منزله وفي عام 2004 تم ترحيله الى قطر حيث التقيت الرجل في فندق شيراتون الدوحة حيث كان يقيم وعائلته على حساب دولة قطر. استمتعت بالحديث مع الرجل عدة مرات حيث كنا نلتقي في حوض السباحة الحار(الجاكوزي) ويمكنني وصفه بدماثة الخلق والتواضع وكان يتسم كذلك بخبرة واسعة وحنكة كبيرة , وقد رجوته في احدى المرات ان يعلن وقف اطلاق النارلوقف العنف وفعلا هذا ما حدث, فشاهدته بعد ايام على شاشة التلفاز يعلن عن مبادرته الشهيرة لانهاء الازمة في بلاده في شهر يناير من عام 2004. لا اعرف مدى الارتباط بين رجائي منه والاعلان عن مبادرته بعد ايام ولكن انتابني شعور بالسعادة بانني قد اكون ساهمت ولو بقليل في حقن ووقف العنف الذي لا رجاء منه.

بعد فشل الاحزاب العربية المنضوية تحت لواء القومية العربية والناصرية والشيوعية في ايجاد مخرج للازمات العاصفة بالعالم العربي وخصوصا فيما يجري على الساحة الفلسطينية من جراء تعنت اسرائيل وعربدتها ووقوف الغرب الى جانبها, على اثر ذلك نشطت الحركات الاسلامية في بداية الثمانينات واصبح يطلق عليها الصحوة الاسلامية وكان من كبار قادتها والمؤثرين في مسارها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حيث كان يزور العديد من الدول العربية وخصوصا الجزائر , فقد كان يحتشد عشرات الالاف من المصلين لسماع خطبه. وزادت شعبيته وتأثيره بعد انطلاق محطة الجزيرة في شهر نوفمبر من عام 1966حيث كان له برنامج ديني شهير الشريعة والحياة. ولكن لم تلمس الشعوب العربية نتائج ايجابية للصحوة الاسلامية وبعدهها اختلط الحابل بالنابل خصوصا في ظل انتشار القنوات العربية الفضائية التي اججت مشاعر الشارع العربي واصبحت البوصلة مرتبكة وما زالت الى يومنا هذا, ونتج عن ذلك كله نزاعات اقليمية تدار بالريموت كونترول من الخارج التي كان اساسها الكراهية وخصوصا الطائفية او الدينية منها و التي لم تكن مألوفة في عالمنا العربي بالشكل التي هي عليه الان. فهل يمكن لهولاء القادة في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا ان يوقفوا دوامة العنف في بلادهم على اساس نموذج مبادرة عباس مدني ؟.