سعيد الحمد

بعض فصول حياة الجنرال ميشيل عون تصلح لرواية مفتوحة على كل النهايات وكل المفاجآت وكل الاحتمالات.
فهذا الجنرال الذي جاوز الثمانين ما زال ينتظر حلمه الرئاسي والوصول الى قصر بعبدا أمله المنشود وحلمه المفقود الذي لم يدب في نفسه ولا في روحه اليأس من تحقيقه وهو في أرذل العمر الذي بدأ يداعبه من «حارة حريك» مسقط رأسه حتى وصل الجبل بعاليه حيث يقيم الآن مترئسا ما سماه «التيار الوطني الحر» وهو تيار سياسي بزي جنرال دائم التجهم، سريع الغضب شديد الانفعال لا يملك نفسه في أي محفل.
في طريقه الى قصر بعبدا تقلب مع الأمزجة والأهواء المهيمنة وركب كل الأمواج ومال حيث مالت الرياح باتجاه القصر/‏ الحلم والوهم حتى وصل أو كاد.. وهو يكاد يلفظ أنفاسه من مشوار طويل لشخص في عمره.
خدم في العسكرية 32 عاما وفي العام 1988 تولى الرئاسة بالوكالة كما قيل في الأخبار لكنه لم يترك القصر الا قسرا وقهرا وبالقوة التي اخرجته من هناك لكنها لم تخرج «حلم العودة» من رأسه ووجدانه وكيانه.
وعلى طريقة الأخوة في لبنان ظلوا يخاطبونه بعبارة «فخامة الرئيس» ليداعبوا في روحه حلما، فيزهو بالعبارة منتشيا باللقب «فخامة الرئيس» بعد ان كان يزهو وينتشي بلقب «الجنرال» أو العماد حسب التراتيب والتسميات اللبنانية العسكرية.
الحكومة التي رأسها وتشكلت عام 1988 كانت حكومة عسكرية، شكل تياره «الحر» بشكل غير قانوني حتى عام 2006 حين صدر له الترخيص الرسمي بعد ان قفز انصاره الى صدر المشهد باسم «العونيين» نسبة الى الجنرال عون وكاد اللبنانيون أن ينسوا شيئا اسمه التيار الحر، الذي اعتمد زعيمه حزب الله حليفا استراتيجيا له ومن خلال وساطة الحزب عاد ما انقطع بينه وبين الحكم السوري.
فألقى الجنرال بذكريات معاركه مع الجيش السوري عام 1989 وحاول طمرها في قاع البئر المنسي بعاليه ونزل بقميصه المدني ينسج خيوطا جديدة مع دمشق الرسمية ومع آل الأسد تحديدا.
قديما قالوا من ترضاه وتزكيه دمشق الرسمية يحكم لبنان، فهل ما زال قولهم ساري المفعول أم دخلت على الخطوط خطوط وتشابكت خيوط وخيوط من خلالها وصل الجنرال القصر ليتحقق الحلم القديم الجديد.
الراحل غابريل ماركيز كتب رواية عن الكولونيل الذي لا يكاتبه احد بعد ان انزوى في ذاكرة النسيان، والجنرال عون ظل يكاتب ويداعب ويلاعب الجميع.
للساسة اللبنانيين حسابات ومعادلات سرية غير معلنة يتكتمون عليها بشكل مطلق ويسربون أشياء ربما تناقض ما يتكتمون عليه بسرية، فهل عون «الرئيس القادم قريبا» مجرد مرحلة انتقالية مما سبق وتهيئة لما سيلحق، لكن ومن المؤكد ظاهرا على الأقل أن الجنرال السابق والرئيس القادم كسب رهانه الشخصي الخاص به وحده وعاد الى القصر مرة أخرى.
فهل عودتك الى القصر جنرال «غُنْم أم غُرْم» لن نقرأ الغيب اللبناني فما أشد صعوبة قراءة الحاضر والواقع اللبناني اللغز فكيف بالغيب اللبناني.
العبارة التي لم نعرفها إلا من البرلمان اللبناني «الثلث المعطل» لن يعطل هذه المرة، فالكل حاضر والكل موافق والكل سيصفق مع اعلان التوافق والموافقة المعروفة سلفا فالجنرال رئيسا لم يعد عنوانا سيفاجئ اللبنانيين غداة انعقاد مجلس نوابهم للبصم على اختيار الرئيس فقد توافق واتفق والكبار خلف الكواليس و«بشروا» الجنرال وبشروا بالجنرال وعلى الجميع أن يوافق على عون الذي خرج بزيه العسكري من القصر ويعود اليه بزيه المدني لكنه في الخروج وفي العودة.. هو.. هو.. عون.