من منظور الإصلاح الياباني .. درسان على الرئيس الأمريكي القادم تعلمهما
عوضا عن خسارة ثقافتها وتقاليدها تمكنت اليابان من مزج الاثنين معا.
"عندما نظرت من نافذتي للميناء في مدينة ناجازاكي الرائعة في اليابان تبادرت لذهني فكرتان ترتبطان بشكل وثيق بالرئيس الأمريكي القادم". الحديث هنا أو بالأصح النصيحة المقدمة للرئيس الأمريكي القادم سطرت في مقال لكريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونج كونج والمفوض السابق للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يشغل حاليا منصب رئيس جامعة أكسفورد.
يقول باتن: لقد تحملت ناجازاكي أسوأ شرور البشرية، ففي أغسطس من سنة 1945 دمرت قنبلة بلوتونيوم المدينة مسببة أضرارا مادية جسيمة ومعاناة إنسانية لا توصف، ولكن منذ ذلك الوقت أصبحت المدينة تمثل أفضل الإنجازات البشرية، حيث نهضت من الأنقاض بفضل روح وجرأة اليابانيين واليابانيات، الذين تاجروا بالأشياء التي بنوها- على سبيل المثال في أحواض سفن متسوبيشي- مع بقية العالم.
لكن ناجازاكي – واليابان بشكل عام- لم تكن دائما مفتوحة للعالم قبل أن تعبر المحيط للتواصل مع جاراتها القريبات مثل الصين وحليفاتها البعيدات مثل الولايات المتحدة، فلقرون عديدة كانت العقول اليابانية والحدود اليابانية مغلقة بشكل واضح.
يوجد على أحد تلال ناجازاكي تذكير صارخ بهذه العقلية الراديكالية المنغلقة، فهناك نصب تذكاري لإحياء ذكرى استشهاد 26 كاثوليكي الذين تم صلبهم في نهاية القرن السادس عشر كجزء من الجهود للقضاء على نمو المسيحية باليابان. يقوم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي بعمل فيلم عن تلك الأحداث وذلك بناء على رواية شوساكو إيندو "الصمت".
لقد جاء اعتناق اليابان للحداثة بعد قرون من تلك الأحداث، وذلك في أواخر عقد 1860 من خلال إصلاح ميجي الذي استمر عقود عديدة، وعوضا عن خسارة ثقافتها وتقاليدها تمكنت اليابان من مزج الاثنين معا؛ أي التقدم للأمام بدون نسيان الماضي، وهذا التوازن ينعكس في العمارة اليابانية، وهي مغرقة في الحداثة والتقاليد في آن واحد.
إذن، ما علاقة ذلك كله بالانتخابات الأمريكية؟ أولا، الولايات المتحدة مثل بعض أجزاء أوروبا تعيش في خطر الدخول في الفترة نفسها من العقول والحدود المغلقة، وبينما من المرجح أن تهزم هيلاري كلينتون الأكثر اعتدالا دونالد ترامب الانعزالي بشكل متهور، إلا أن ردة الفعل الرجعية ضد الانقتاح التي أسهمت في صعود ترامب لن تتبخر وحدها.
بالطبع يجب على الرئيسة كلينتون مع صناع السياسة الآخرين التركيز على الدور القيادي الذي لعبه التنوع في الدفع بأمريكا نحو النجاح، فتوفير الملاذ لأناس من جميع أرجاء العالم في مكان يخضع جميع الناس فيه لنفس القواعد والأحكام كان من المصادر الرئيسة لقوة أمريكا لمعظم تاريخها، حيث تتجلى هذه الفكرة في ختم البلاد: (واحد من بين الكل).
التعليقات