مأمون فندي
ماذا لو حكم أميركا رجل مجنون أو غشيم، وليس مجرد دونالد ترامب؟ فما الذي يستطيع فعله؟
أستاذنا في السياسة الدولية كينيث والتز الذي توفي عام 2013 لديه إجابة عن هذا السؤال.
في كتابه الكلاسيكي المنشور عام 1959 الموسوم «الإنسان والدولة والحرب»، يطرح والتز ثلاث صور لفهم أزمة السياسة العالمية فيما يخص الحروب، فهناك من الفلاسفة من يرى أن طبيعة الإنسان هي مصدر كل الشرور في العالم، وأن الإنسان هو المحرك الأساسي للأحداث، فإذا كان الأمر كذلك فيكون دونالد ترامب ذا أهمية بالغة في تحريك سياسات أميركا تجاه بقية العالم، لكن هذه النظرة محدودة للغاية في ظل تطور الدولة الحديثة وأدواتها وبنيتها الداخلية، فالفرد الواحد ليس هو اللاعب الأساسي في السياسات المحلية أو الدولية لأي دولة، وليست أميركا وحدها.
مع تطور الدولة الحديثة داخليًا وترتيب النظام العالمي على أنه نظام دول ذات سيادة، أصبحت الدولة ومؤسساتها هي اللاعب الحقيقي وتراجع دور الإنسان أو رأس الدولة، حيث نظمت الدول داخليًا، وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية إلى نظام توزع فيه القوة في المجتمع، بحيث لا يسمح لفرد أو حتى جناح من مؤسسات الدولة بالانفراد بالقرار، وأسس لتوازن السلطات بين الرئيس والكونغرس والقضاء، وجاء الإعلام سلطة رابعة ليتابع مدى دقة وتنفيذ توازن السلطات هذا، بحيث لا تحيد سلطة عن الأخرى.
الصورة الأخرى للسياسة ترى أن الدولة وأجهزتها هي المسؤول الأول عن الحرب وعن الشرور، وكذلك أيضًا عن السلم والاستقرار، ويأتي دور الفرد الذي هو على رأس تلك الدولة تابعًا، ومن هنا ظهرت نظرية السلام الديمقراطي، إذ إن طبيعة الدولة هي التي تحدد مدى استخدام قوتها الغاشمة ضد دول أخرى، وإن الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها بعضًا، وأضف إليها أن الدول النووية لا تتعارك أيضًا، ومن هنا تكون ورطة ترامب ضد بوتين في سوريا مثلاً، فمهما أراد ترامب، فأميركا لن تدخل حربًا مع روسيا. وحسب نظرية السلام الديمقراطي ومعها النووي، فإن الديكتاتوريات هي التي تورط العالم في الحروب، عراق صدام حسين مثالاً.
الدولة، وليس الفرد، هي التي تحدد ملامح السياسات، وبهذا يكون دونالد ترامب محدودًا فيما يستطيع أن يفعله، في ظل دولة أميركية مركبة بطريقة توازن السلطات وحدود صلاحيات الرئيس في أن يأخذها في أي اتجاه.
أما الصورة الثالثة التي لا تحدد فقط ما يستطيع فعله الإنسان أو القائد أو دونالد ترامب أو غيره من القادة، حسب نظرية كينيث والتز، فهي طبيعة النظام الدولي المبني على الفوضى، الذي يفرض على الدول أن تتصرف من أجل البقاء وبدافع مصلحتها فقط دونما مراعاة لمصلحة الغير، وهذا ما يسمى نظام «ساعد نفسك» (self help system)، حيث تكون حالة الفوضى العالمية محكومة بعلاقات القوى فقط لا غير، بمعنى أن الدول القوية هي التي تحدد طبيعة النظام العالمي، ولذلك كانت طبيعة النظام العالمي أثناء الحرب الباردة مثلاً وثنائية القطبية مختلفة عن طبيعة النظام العالمي في ظل سيطرة الولايات المتحدة الأميركية أو نظام القطب الواحد، وها نحن نتجه إلى نظام متعدد القطبية في ظل بروز الصين كقوة عالمية، أو على الأقل متعدد القطبية اقتصاديًا، وأحادي القطبية عسكريًا، في ظل هذا النظام تبقى أميركا كدولة ودونالد ترامب كرئيس محدودي القدرات فيما يستطيعان فعله في ظل نظام دولي تتغير طبيعته كل يوم.
إذن الإجابة عن سؤال طبيعة الرئيس الأميركي وقدراته في التأثير على قضايا الحرب والسلام محدودة بما تتيح له الدولة الأميركية داخليًا، وما يفرضه النظام العالمي خارجيًا.
ويبقى السؤال رغم ذلك هو ما تلوكه ألسنة العوام: ماذا نتوقع من دونالد ترامب؟
ليس هناك الكثير الذي نعرفه عن ترامب كقائد سياسي، ولكن لو كان دونالد ترامب رجل الأعمال وتاريخه مؤشرًا على سلوكه السياسي، فنعرف أن دونالد ترامب رجل الأعمال أعلن إفلاسه أكثر من مرة بطريقة مرتبة لتغطية شركات التأمين، ومن هنا يمكن القول إن ترامب لا يبحث عن حلول عاقلة للمشكلات المعقدة، الهروب عن طريق إعلان الإفلاس هو الحل بالنسبة له، فهل سيفعل الشيء ذاته عند مواجهة أول أزمة عالمية؟ لو كان ترامب الاقتصادي هو ذات ترامب السياسي، فإن الهروب من الأزمات لا مواجهتها سيكون أسلوبه.
أما فيما يخص الشرق الأوسط ومشكلاته، فهذا يعني أن ترامب سيتجنب تلك المشكلات الشرق أوسطية المزمنة، مثل سوريا وفلسطين والعراق واليمن والنووي الإيراني، لأنه لا يستطيع أن يعلن إفلاسه في أول أيام رئاسته. ما يجب أن يتوقعه العرب هو إدارة الصراعات في منطقتنا وليس حلها لمدة أربع سنوات مقبلة، كثير من الكلام ولا حلول.
وكما توقعت على صفحات هذه الجريدة فوز ترامب قبلها بيوم وصدق حدسي، أظن أن توقعي للحالة الترامبية في السياسة الدولية سيكون قريبًا من الحقيقة أيضًا.
التعليقات