سمير عطا الله
قالت زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية مارين لوبان إن «ما كان يبدو مستحيلاً قبل فوز ترامب، أصبح بعد فوزه ممكنًا». ويمكن أن نضيف أنه يبدو مفزعًا أيضًا. كل أوروبا تتجه نحو العزلة والتطرف. وفي فرنسا، بعد عهدين غير مستقرين، من نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، وبعد إرهاب نيس وباريس، تبدو حظوظ المدام لوبن أكبر من أي وقت، مع أن رشد الفرنسيين سوف يدفعهم في النهاية إلى اختيار رجل دولة من طراز ألان جوبيه.
لم يقلب ترامب أميركا وحدها، بل قلب معها الغرب. أيقظ مشاعر العزلة والعنصرية، وألغى قيم الانفتاح والمشاركة. عالم يتجه مرة أخرى إلى إغلاق أبوابه على نفسه في وجه الآخر. وربما نصل إلى يوم نجد فيه أوروبا الغربية قد أسدلت على نفسها ستارًا حديديًا مثل أوروبا الشرقية في العصر السوفياتي.
هذا ليس تهويلاً ولا مبالغة، وإنما إعادة قراءة مبسطة للتاريخ المعاصر. يغذي هذا الانزلاق نحو الفاشية، جرائم الإرهاب المريعة في القارة، والصور اليومية المعروضة على الشاشات عن مذابح العالم العربي، وتدمير المدن، وردم الأطفال، وقوافل النساء الهاربات وعلى رؤوسهن كل ما بقي لهنّ من متاع الحياة.
قال لي رجل أعمال ألماني إن ثمة موجة هجرة من ألمانيا تزداد اتساعًا. وبسببها، لا يأتي الإعلام على ذكر الارتكابات الاجتماعية المتزايدة التي غيرت في حياة الألمان. ولكن ما لم يذكره الإعلام، يعيشه الناس في حياتهم اليومية. وقال إن أشد ما يفزعه هو استغلال هذه الظاهرة.. «وأنا قررت الهجرة إلى جنوب أفريقيا، ليس خوفًا من ممارسات الغرباء، وإنما رعبًا من استيقاظ الفاشية، كما حدث في الماضي».
لم تنتقل العدوى عبر الأطلسي من الولايات المتحدة، وإنما من أوروبا. كم تمتع ترامب وهو يدعو البريطانيين للتصويت ضد البقاء في أوروبا. وبالفعل، شجع ذلك أنصار مقلديه. وكم يبدو هذا العالم مخيفًا كلما تراجع الاعتدال والانفتاح أمام ديكتاتورية الجماهير وغرائزها المتفلتة. كل ما يمثله ترامب وأنداده الأوروبيون، هو العودة إلى أزمان التعصب والعنصرية والغطرسة، واستسهال العداء وتبرير العنف. والعنف ليس قتالاً فقط، بل يمكن أن يكون جدارًا مع المكسيك مثل جدار برلين، أو طرد 11 مليون مكسيكي من دولة كانت كل قيمها قائمة على السعة والصهر.
التعليقات