مشاري الذايدي
حدثني صديق لبناني، أستاذ جامعي، باحث مرموق، أنه كان يحاور رجلاً مثقفًا من أبناء وطنه، لبنانيًا شيعيًا، يتعاطف مع «حزب الله»، وإن لم يكن من أفراده تنظيميًا، كان النقاش حول «مظلومية» السنة بلبنان، قبل سنوات قريبة.
اللبناني السني قال لصديقه اللبناني الشيعي: أهل السنة بلبنان يتعرضون لظلم واضح، وإرهاب بيّن من سلاح وميليشيا ومخابرات «حزب الله»، المتصل عضويا بحرس الثورة الخمينية.
رد عليه صديقه الشيعي: نحن أهل المظلومية، نحن جماعة المستضعفين، الأوفياء لهم وللثأر الحسيني، الذين تحول البكاء ضد الظلم والقهر عندهم لطقس سنوي بعاشوراء، فكل أرض كربلاء. وكل يوم عاشوراء.
أجابه اللبناني السني: هذا حديث طقوسي لاهوتي، وثقافة اجتماعية سياسية تخصكم، أنا أتحدث عن الواقع الحالي في لبنان، من هو الأقوى، من هو الطرف المسلح، من هو الممسك «عسكريا» بلبنان، بل وصدّر فائض قوته إلى سوريا، أقصى شمالها في حلب وأقصى شرقها في تدمر، بل وإلى العراق واليمن ودول الخليج. نحن ماذا فعلنا؟!
ثم أضاف: حتى «داعش» و«القاعدة» التي تذموننا بها، وتجعلوننا كلنا من رعاياها، تقتلنا، تكفرنا، تفسد عدالة قضايانا، تشوهنا، وحراب ومفخخات ومجانين «داعش» و«القاعدة»، عاثت فسادًا في أمن دولنا الكبرى، السعودية ومصر والأردن وبقية دول الخليج، وكانت نيرانها بردًا وسلامًا على الداخل الإيراني.
ليختم حواره المثير هذا بقوله لصديقه اللبناني الشيعي، الظريف: «يا أخي دخيل روحك أنا، معلش أعطونا هالمرة حق التظلم والتفجع، لا تصادروا علينا المظلومية»!
البكاء واللطم وشحن النفوس بالمشاعر الفوارة، ورغبة الثأر للحسين، تحولت، عبر التاريخ، لمسرب عاطفي ووسيلة تعبوية جماهيرية سياسية، تحت قناع مقدس، هو الانتقام للدماء المراقة بثرى العراق، وكله باسم الحسين.
رغم أن الواقعة «الحقيقية» جرت منذ نحو ألف وأربعمائة عام، وهي حادثة مدانة من قبل كل المسلمين، أتذكر كيف استبدّ بي الحزن، في فترة المراهقة، وأنا أقرأ مقتل الحسين، من كتاب المؤرخ الشامي الشافعي السني، ابن كثير (البداية والنهاية).
قد يقول قائل مالك ولهذا، الشيعة سيبقون شيعة، والسنة كذلك، ولن تقنع أحدًا بغير ذلك بعد كل هذه القرون، فقد تحولت المسألة لانتماء وهوية اجتماعية.
هذا صحيح، وليس الغرض النقاش الديني ولا حتى العلمي، للطرفين، بل التأشير لملاحظة مثيرة، هي أن السنة اليوم، الأهالي العاديين، هم من يتعرضون للقهر الكربلائي، ولا مناص لهم من المواجهة، كما قال ثائر الطفّ الأول: «هيهات منا الذلة».
أو ربما ينتبه الكل لنداء الوطنية الجامعة، النقية، ويدع حديث التاريخ للتاريخ..
التعليقات