عوض بن حاسوم الدرمكي
يقول مثلنا الشعبي الطريف «يضرب شجر ويطيحن أرانب»، وكم سيكون معبراً وضع هذا المثل لوصف ما تمخّضت عنه الانتخابات الأميركية، فعندما هلل الإعلام الأميركي والعالمي من خلفه إيذاناً بتنصيب أول سيدة على رأس البيت الأبيض انفتح الستار ولم تخرج وفقاً لنتائج صناديق الاقتراع هيلاري كلينتون .
ولكن خرج السبعيني ذو الشعر الأشهب دونالد ترامب ليطبق الصمت على الجميع وتلتفت الأعين إلى وسائل الإعلام الخادعة لتقول صحيفة Fort Wayne Sentinel نيابة عن الجميع لمحاولة حفظ ما تبقى من ماء الحياء: «شكراً للرب على مايك بنس»، مايك هذا أيها السادة هو نائب ترامب!
نعم كان فوز ترامب مفاجئاً وصادماً، الإعلام بأكمله تقريباً نصّب هيلاري منتصرة، وكال سيولاً جارفة من التهكّم والازدراء ضد ثري العقارات، واستطلاعات الرأي كلّها بشّرت بعودة آل كلينتون للبيت الأبيض، لكن تمخضت صناديق الاقتراع عن مفاجأة مدوية كان عمادها أصوات الطبقات المنسية والذين ملّوا من عقود من التهميش والظلم والنسيان، وكرهوا تكرار «الغدر» الدائم بهم والذي وضّحه عالم الاجتماع الراحل أوسكار أميرينغر بأنّ: «السياسة هي فن الحصول على أصوات الفقراء وأموال الأثرياء للوصول للسلطة مع وعد أن تحمي كل واحد منهما من الآخر»!
عندما كانت هيلاري السياسية المخضرمة تتحدث عن ظاهرة الاحتباس الحراري والقضاء على أسلحة الدمار الشامل ومستقبل السلام العالمي وتذكّر الجميع بإنجازاتها السياسية والتي لا تعني شيئاً إطلاقاً للفئات المطحونة.
كان ترامب يجول بين مواقع عمل تلك الفئات في الولايات المنسية والتي يُطلق عليها «حزام الصدأ» وهي ميتشيغان وويسكونسن وبنسلفينيا وأوهايو ويخبر العمال البسطاء هناك بأنه سيطرد المهاجرين غير الشرعيين الذين أخذوا وظائف «أهل البلد» وبأنه سيتخلّص من كل الاتفاقيات الدولية، النافتا وغيرها، والتي اختطفت وظائف الأميركان لغيرهم من اللاتينيين تحديداً بداعي رخص العمالة هناك حتى تمتلئ جيوب نخبة وول ستريت فاحشة الثراء، هو خاطب ما يمس البسطاء صراحة وما يوجعهم فصوتوا له دون تردد!
الخاسرون بمجيء ترامب كثيرون، واختياراته لتشكيل فريق إدارته أضافت المزيد من التوجّس حيال ما سيكون عليه الصراع بينه وبين الكونغرس رغم أغلبيته الجمهورية «الذين لا يتفق كثير منهم مع طرح ترامب»، وبينه وبين بقية قوى الصراع في العالم.
فلم يكد يفيق العالم من صدمة اختياره وإذا به يصدمهم من جديد باختيار ستيف بانون لشغل منصب كبير المخططين الاستراتيجيين وهو يميني متطرف يؤمن بتفوق ذوي البشرة البيضاء من الأنغلوسكسون، ثم صدمنا نحن كعرب مرة أخرى بترشيح الفريق المتقاعد مايكل فلين لمنصب مستشار الأمن القومي وهو الشخص الذي وصف الإسلام بـ«السرطان» وبأنه في حالة حرب دائمة معه!
من الخاسرين هيلاري كلينتون والتي وعد ترامب بفتح تحقيقات معها في قضية البريد الإلكتروني ليس من أجل التشفي أو فتح ملفات قديمة ولكن لعلمه أنها تملك مفاتيح لوبيات ضغط كبيرة بين النخب السياسية بواشنطن، لذا سيتم التلويح بفزّاعة التحقيقات لإخراجها تماماً من اللعبة والقضاء على أي شكل من أشكال حكومة الظل في مجلسي النواب والشيوخ
من الخاسرين أيضاً نُخبة واشنطن ومراكز الأبحاث والدراسات الليبرالية وبعض المراكز المحافظة والتي وقفت ضد ترامب وخدعت العالم باستطلاعاتها الفاشلة وتنبوءاتها المغلوطة، ومن المتوقع أن يقلّص ترامب الاعتماد عليها كثيراً كمراكز تفكير Think Tanks للإدارة الأميركية الجديدة، وقد يتجه للاستعانة بشخصيات غير محسوبة على النخب السياسية الفاسدة! تندرج في قائمة الخاسرين أيضاً السود والذين صوّت 88 % منهم لهيلاري.
فقد سبق لترامب سخريته من الحركة الاحتجاجية «حياة السود هامة» ضد وحشية الشرطة وقال حينها: «إن الأميركيين من أصول أفريقية يقتلون البيض والسود بمعدلات أعلى بكثير من معدلات قتل الشرطة والبيض لهم»، حال المهاجرين أسوأ أيضاً وقد وعد بإخراج 12 مليون مهاجر غير شرعي منهم ثلاثة ملايين فوراً من ذوي السجلات الإجرامية.
أمّا في عالمنا فأول الخاسرين جماعة الإخوان المسلمين والتي تعهّد ترامب بإدراجها كجماعة إرهابية، ولم يكن مستغرباً بالتالي وقوفها مع هيلاري، فلم يخدم أحدٌ الحركات التخريبية في الشرق الأوسط وتحديداً ذوات التوجّه الدموي كالإخوان وبناتها مثلما فعل الديمقراطيون الليبراليون والذين قاموا بقيادة أوباما ببيع المنطقة في سوق نخاسة مفتوح للجماعات الإرهابية، وإن فعل ترامب ذلك فحينها لن يجد زعماء الإخوان من دولةٍ تتقبلهم حتى تركيا نفسها وإلا أصبحت في العرف الدولي دولة آوية للإرهابيين الرسميين.
وإنْ كنت أتوقع أن يعارض الكونغرس ذلك، فهم سيوافقون على تصنيف «بنات» الحركة كجماعات إرهابية، لكن سيدَعون «الحاضنة الأم» لأنها ورقة رابحة في الصراعات بالشرق الأوسط لإخراج بنات جُدد مستقبلاً كلما تطلّب الأمر ولا يوجد بالطبع «أكرم» من أتباع مرشد المقطّم في تخريب البلدان وتضييع المنجزات!
إيران تبدو خاسرة، لكن تصريح ترامب بوقوفه مع روسيا وبشار الأسد ضد داعش في سوريا واتصاله بحيدر العبادي مهنئاً بمعركة الموصل تعطي دلالة أن توافقاً سيحدث مع حليفة روسيا وبشار و«سيّده» العبادي ما لم يتحرك العرب بفعالية للخروج بأقل الأضرار.
هذه النقاط لا تعني أن أميركا عجينة يستطيع ترامب أن يشكّلها كيف شاء ويخبزها كيفما يريد، هي دولة مؤسسات في المقام الأول ولها أجندة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية قائمة على الهيمنة العالمية، ولكن حتماً سيكون له تأثير كبير في تقديم بعض الملفات عن سواها، وليس من المنطقي لنا أن نكره الرجل أو نعلق عليه الآمال.
هو يبحث عن صالح بلاده فقط، ولئن كان الديمقراطيون عهد شر وشيطنة للعالم العربي من رعاية ودعم حالات الاضطراب والإخلال السياسي فيما عُرف بالربيع العربي إلا أنه من الضرورة بمكان أن نتذكّر أنّ أول من بشّر بما يعرف بالفوضى الخلاقة في بلاد العرب كانت «الجمهورية» كوندوليزا رايس!
التعليقات