ابراهيم بيرم
هل بدأت بوادر الافتراق البائن بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" تطل برأسها وتؤذن بقرب أفول عصر التفاهم المبرم بينهما منذ نحو عقد من الزمن، لا سيما بعدما ولج العماد ميشال عون قصر بعبدا قبل شهر؟
السؤال فرض نفسه في الايام القليلة الماضية انطلاقا من اعتبارين: الاول، الحديث عن تباينات بين رؤى الطرفين حيال موضوع تأليف الحكومة، خصوصا لجهة إصرار "التيار" على الايفاء بتعهدات اعطاها لـحزب "القوات اللبنانية" والمترافق مع مبادرة "حزب الله" الى النأي بنفسه عن حرب الارادات التي تدور رحاها بأشد ما يكون بين "التيار البرتقالي" من جهة والرئيس نبيه بري من جهة اخرى، مما أخّر ولادة الحكومة المنتظرة وبدد مناخات تفاؤل سادت بقرب تأليفها في مهلة قياسية. ولم يكن هذا النأي بالنفس من جانب الحزب ليعفيه من تهمة انه يحابي الرئيس بري ويغض الطرف عن الحملات التي يشنها سيد عين التينة تباعاً على الرئيس عون وتياره.
والثاني، صمت الحزب عن الكلام الذي تطلقه الصحافة الخليجية منذ فترة وفحواه ان العلاقة بين الحزب والتيار بلغت اخيرا دركها الاسفل منذ ولادة تفاهمهما الشهير في شباط 2006.
وتزامن هذا الكلام ايضا مع كلام إعلام داخلي تكفّل فجأة ومن خارج كل الحسابات باتهام رئيس التيار الوزير جبران باسيل بالضلوع في جريمة "ذبح سياسي" للنائب سليمان فرنجية طمعاً بدعم "قواتي" موعود يوصله الى نيابة في البترون.
ليست المحطة الاولى التي يخضع فيها تفاهم الحزب - التيار لحملة تشكيك بجدواه واستمراره وتوقعات بقرب انهياره تحت وطأة مستجدات وتحولات تفرض نفسها، فالامر تكرر خلال الاعوام العشرة المنصرمة، خصوصا ان ثمة من راهن استهلالا على انه لا يتعدى كونه تحالفا ظرفيا عابرا لن يلبث ان ينفرط عقده.
وعليه فان ثمة من يعتبر ان الكلام الآن على توتر غير مرئي يسود علاقة الطرفين ويؤثر سلبا على تفاهمهما يجد ما يعززه من خلال:
- معلومات سرت اخيرا جوهرها ان الحزب ابلغ من يعنيهم الامر انه غير معني اطلاقا بمترتبات تفاهمات داخلية ابرمها "التيار الوطني" قبيل الانتخابات الرئاسية.
- ان الحزب وفى بتعهده إيصال عون الى قصر بعبدا وبعد ذلك شأن آخر ويوم آخر.
- ان الحزب لو شاء الحفاظ فعلاً على ديمومة علاقته الوطيدة بـ"التيار الحر" ما كان مضطرا الى اعطاء بري هذه الوكالة غير القابلة للعزل بادارة عملية تأليف الحكومة باسم "الثنائية"، وهو على علم مسبق بحجم التناقض بين بري وعون ودرجة ما يضمره رئيس المجلس للعهد الرئاسي الجديد، ومن ثم يؤدي (الحزب) دور "ابو الهول" حيال كل السجالات الحاصلة منذ اسابيع على موضوع انضاج الطبخة الحكومية، وهو يملك من امكانات التأثير على كلا الطرفين ما يؤهله لتذليل كل العقد امام ولادة مضمونة وعاجلة للحكومة. وعليه فان بعض المشككين ذهب الى حد البحث عن اوجه شبه بين موقف الحزب من موضوع التأليف وبين موقفه قبيل عملية انتخاب الرئيس، خصوصا لجهة استنكافه عن ممارسة ما هو مطلوب منه من ضغوط على بري بغية امرار الامرين معا.
هل في رسم هذه الصورة لمآل الامور مبالغة، ام ان وراء الاكمة من المستجدات المخبوءة ما يسمح بالسؤال عما اذا كان الطرفان المعنيان ما زالا يحتاجان الى تفاهمهما الذي كان حين إبرامه حدثا مدويا وترك استمرار قطاره بالسير طوال عقد من السنين تأثيرات عميقة على واقع المشهد السياسي كانت ذروتها بلوغ عون قصر بعبدا وما رافق ذلك من تحولات في عمق الوضع المسيحي والوطني؟
لا ريب في ان الظروف التي شكلت الرحم الذي اولد تفاهم الطرفين شهدت تحولات، فعون بلغ اقصى طموحاته وعاد الى بعبدا رئيساً كامل الشرعية، وفي المقابل لم يعد الحزب كما كان لحظة اشهار تفاهم كنيسة مار مخايل ذاك الطرف المحاصَر من كل الجهات، ولا سيما بعدما تحلل منه رفاق رحلته في التحالف الرباعي وبدأوا يعدّون له المقصلة، فهو صار رقما صعبا وامرا واقعا عصيا على كل محاولات الاجتثاث، وقد توج رحلة نضاله بايصال مرشحه الحصري الى الرئاسة الاولى وانتصار ارادته.
ولكن ذلك على بلاغته لا يعني اطلاقا في نظر عارفين بأمور الحزب وتوجهاته العميقة ان مفعول التفاهم قد استنفد اغراضه وانتهت صلاحيته وان الحاجة اليه شارفت نهايتها. فهو انطلق كاتفاق ضرورة لطرفين كانا يستشعران عقدة الاضطهاد والاقصاء، لكن تجارب عقد السنين اظهرت لطرفيه انه صار بمثابة عنصر ضمانة لمستقبل الحياة السياسية ولا سيما في مرحلة ما بعد 31 تشرين الاول الماضي.
من هنا برز حرص ضمني من الحزب على توضيح جملة امور تتصل بتكهنات وتحليلات سرت اخيرا بشّرت بقرب موت التفاهم الذي استحال عقدا اجتماعيا، وابرزها:
- ان الحزب ينطلق في موضوع تأليف الحكومة من 3 اعتبارات: الاول، تأمين "تقليعة" قوية للعهد عبر حكومة وحدة وطنية جامعة ومتوازنة، والثاني ارضاء الرئيس بري لا سيما بعد خطوة تفويضه التي شاءها سيد الحزب علنية لغايات معلومة واخرى مكتومة، والثالث حفظ النائب فرنجية لوفائه المطلق في استراتيجيات المحور.
انطلاقا من كل ذلك، كان الحزب حريصا على الزهد بأي حصص وازنة، وكان حريصا أيضاً على عدم وضع اي "فيتو" على مشاركة "القوات اللبنانية" او حزب الكتائب. اما في موضوع مطلب حفظ فرنجية فان الحزب لم يبادر من الاساس الى وعده او وعد سواه بحقيبة وزارية محددة.
- ان الحزب يتفهم من الاصل موجبات تفاهم حليفه مع "القوات اللبنانية" ويدرك اساسا ان عون ذهب الى تفاهم معراب بعدما اعلن حلفاء له انهم ليسوا في وارد انتخابه، وهو لذلك نأى بنفسه عن الموضوع ولم يرفع عقيرته بالاعتراض إلا لحظة شعر بان هناك من يريد تضخيما مبالغا فيه لهذا الفريق بما لا يتناسب مع حجم تمثيله النيابي.
- ان الحزب على دراية تامة بموضوع التوريث السياسي في زعامة التيار، وهو يعتبر نفسه معنيا بشكل او بآخر، وهو ضمناً على ثقة بالوزير باسيل ويعرف ان وجوده على رأس هرم قيادة التيار ضمانة سياسية على درجة الثقة عينها بالزعيم المؤسس.
- ان الحزب ليس من انصار مقولة انطواء عصر المحورين 8 و14 آذار، فهو ما فتئ يرى حاجة الى محور 8 آذار بتوجهاته الوطنية والاقليمية، وما زال يتعامل مع هذا المحور على اساس انه ما برح متماسكا، وهو يرى نفسه مولجاً برأب اي صدع بين مكوناته.
التعليقات