أحمد يوسف أحمد

شهدت أيام التاسع والعاشر والحادي عشر من الشهر الجاري ست عمليات إرهابية في خمس دول هي مصر واليمن وتركيا ونيجيريا والصومال، وسقط في هذه العمليات التي جرت في ثلاثة أيام متوالية قرابة مئتي قتيل وضعفهم على الأقل من الجرحى. واستأثر يوم العاشر وحده بثلاث عمليات في عدن وإسطنبول وشمال شرق نيجيريا، وفي التاسع من ديسمبر جرى تفجير كمين أمني في مدينة الجيزة بمنطقة الهرم بمواجهة أحد مساجدها الشهيرة، راح ضحيته ستة من رجال الشرطة لقوا حتفهم، فيما أصيب ثلاثة آخرون.

وفي اليوم التالي استهدف تفجير تجمعاً للجنود في عدن فقُتل أربعون وجرح أكثر من سبعين، وفي اليوم نفسه وقع تفجيران في إسطنبول أحدهما أمام ملعب لكرة القدم كانت إحدى المباريات المقامة عليه قد انتهت لتوها وقد أدى التفجيران إلى وقوع ثمانية وثلاثين قتيلاً معظمهم من الشرطة وعشرات الجرحى، وفي اليوم ذاته أيضاً نُفذت عملية إرهابية جديدة تحمل بصمات «بوكو حرام» في شمال شرق نيجيريا لقي فيها ما لا يقل عن خمسة وأربعين شخصاً مصرعهم وأصيب ثلاثة وعشرون آخرون.

أما الحادي عشر من ديسمبر فقد استأثر بعمليتين إرهابيتين أولاهما بالقرب من مرفأ العاصمة مقديشو قُتل فيها عشرون شخصاً على الأقل، والثانية في القاهرة حيث استهدف انفجار مبنى الكنيسة البطرسية الموجودة في المحيط المباشر لكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس أثناء صلاة الأحد، فلقي خمسة وعشرون مصرعهم وأصيب ثلاثة وخمسون. وفي كل العمليات الإرهابية السابقة تكون أرقام الضحايا من القتلى والجرحى مرشحة للارتفاع. ويضاف إلى ما سبق أداء تنظيم «داعش» الإرهابي في معركة تحرير الموصل حتى الآن، والذي تسبب في تباطؤ الجدول الزمني للتحرير وإجبار القوات العراقية على الانسحاب أحياناً من مواقع حررتها، والاضطرار إلى تحريك القوات من موقع لآخر لتخفيف الضغط على القوات في جبهة معينة، كذلك نجح التنظيم في إعادة احتلال مدينة تدمر السورية وتم إخراج قواته منها تحت وطأة القصف الروسي، لكي يعود إلى احتلالها حتى كتابة هذه السطور، فما الذي يعنيه هذا كله؟

لا شك أن المصير المحتوم للإرهاب هو الهزيمة، ولكن المؤكد أن هزيمته الكاملة لن تكون سهلة على الإطلاق، لأن ثمة عدداً من الرسائل الواضحة المشتقة من العمليات الإرهابية السابقة، والرسالة الأولى أن الإرهاب يقاوم بضراوة، كما تشير المؤشرات السابقة، وأنه ما زال قادراً على إلحاق ضرر بالغ أحياناً بخصومه. والرسالة الثانية أن قدراتنا أو خططنا لاستخدام هذه القدرات أو كلتاهما معاً ما زالت قاصرة عن استكمال هزيمة الإرهاب، ولذلك فإنه لابد من السعي الحثيث من أجل تطوير القدرات من منظور المواجهة الشاملة، وفي القلب منها بطبيعة الحال تطوير الأداء الأمني وسد الثغرات فيه.

والرسالة الثالثة أن المعركة ستطول، وأن طول أمدها سيتوقف على مدى نجاحنا في تطوير قدراتنا والسرعة التي يتم بها ذلك. أما الرسالة الأخيرة فهي مستمدة من أن العمليات الإرهابية السابقة تتسم بالشمول، وهو ما يذكرنا بأن التهديد الإرهابي ليس مقتصراً على أحد، ومن ثم فإن الكل معرض دون استثناء لخطر الإرهاب وهو أمر شديد الوضوح على ضوء امتداده إلى أوروبا والولايات المتحدة. وتفتح هذه الحقيقة الباب للحديث عن ضرورة تعزيز التعاون الدولي في الحرب على الإرهاب، وأعلم أن ثمة اجتماعات عديدة عقدت واتفاقيات كثيرة أُبرمت في هذا الخصوص، ولكن شيئاً ذا بال لم يتحقق.

وهناك عدد من الدول التي يتهددها الإرهاب لا توجد علاقات طيبة بينها، مع أن تحدي الإرهاب يستوجب تجاوز الخلافات لمواجهة تهديد الكيان الوطني، بل وتجسيد هذا التهديد على أرض الواقع، كما فعل تنظيم «داعش» في العراق وسوريا حين أقام لنفسه «دولة» مزعومة منذ يونيو 2014 ما زال يحاول الدفاع عن بقائها على رغم قوة الهجمات عليه. فهل آن الأوان لوضع أسس لهذا التعاون المنشود، أم أننا مصرّون على التعامل الجزئي مع التهديدات الإرهابية، ومن ثم استنزاف جهودنا ومواردنا في معارك تخوضها كل دولة على حدة، بينما من الواضح أن التهديد يشملها جميعاً؟