بينما تزداد وتيرة العمليات الإرهابية: مصر حائرة بين البندقية وغصن الزيتون

حسام عبد البصير

 قبل ان يتم الرئيس السيسي عامه الثالث على صعوده للمقعد الرئاسي كان المصريون قد ظنوا بانفسهم ودولتهم خيراً في مضمار الحرب على الإرهاب وكان للجماهير الحق في ان يفرطوا في التفاؤل إلى ما لا حدود، فالرئيس ذو خلفية أمنية بامتياز وكان لسنوات على رأس أحد أعتى الأجهزة الأمنية كما ان قناعاته بان جماعات الإسلام السياسي هي أصل البلاء الذي حل بمصر وشعبها كانت تعزز ثقة الجماهير. ورغم ان الحرب على الإرهاب ظلت على صدارة اهتمام الدولة إلا انه ومع مرور الوقت يكتشف المصريون انهم ما زالوا عند النقطة نفسها التي بدأت منها الحرب على الجماعات المسلحة التي تتعاظم قوتها رغم ان فصيلا يتكون أفراده من أبرز المتخصصين في فكر تلك الجماعات ظلوا يحذرون من ان النظام يسير في طريق الخطأ حيث لابد من الاستفادة من تجربة المراجعات الفقهية التي شهدتها البلاد قبل ربع قرن والتي أسفرت عن هدوء ساد ربوعها بعد ان حطت الحرب أوزارها وعرف رموز الجماعات المسلحة وفي القلب منها الجماعة الإسلامية لغة الحوار ونبذ السلاح.
إلا ان الحرب لم تلبث ان عادت من جديد تزداد وتيرتها على نحو يعصف باستقرار البلاد خاصة عقب دحر الإخوان المسلمين من سدة المشهد والدفع بقياداتهم نحو السجون ومعهم معظم كوادرهم فضلاً عمن فر إلى الخارج بهدف النجاة من مصير يتراوح بين التصفية أو السجن فيما شهدت البلاد عشرات العمليات المسلحة التي ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من الإسلاميين وعناصر الشرطة ومسؤولين أمنيين بارزين. والسؤال هو، هل باتت مصر على موعد مع حقب جديدة من الإرهاب وتنــجــح الجماعات المسلحة في بسط نفوذها من جديد أم ان دولة السيسي الأمنية ستجتث تلك الجماعات من جذورها وتنجح فيما تعهد به رئيسها منذ قبل دخوله القصر الرئاسي؟
يؤمن الرئيس السيسي بان الإخوان المسلمين هم مصدر كل البلاء الذي حل بالبلاد منذ قبل مولد ثورة 23 يوليو وحتى الآن، لأجل ذلك كان مشروعه الأبرز هو اجتثاث تلك الجماعة وفي سبيل ذلك سخر أجهزة الدولة وفي مقدمتها الآلة الإعلامية في «شيطنة» الإسلاميين وقد كان له ما أراد وأصبح قطاع كبير من المصريين يعتقد أن تيار الإسلام السياسي سبب الكوارث التي حلت بالبلاد كان ذلك قبل تتخلص البلاد من ركام الأزمات المتتالية التي خلفتها ثورة يناير. 
قبل يومين تم اعدام عادل حبارة الإرهابي الذي قتل 25 جندياً ما خلف حالة من الفرح بين الجماهير من معسكر السيسي وغالبية المصريين باستثناء عناصر الحركات المسلحة التي وعدت بالانتقام لدمه ما يطرح التساؤل حول التوقيت الذي قرر ت فيه الدولة تنفيذ الحكم القضائي النهائي؟ فالسواد الأعظم من قضاة مصر ومحاميها فضلاً عن إعلاميين يرون ان الحكم لم يكن من الممكن تأجيل تنفيذه مهما كانت الأسباب خاصة عقب وقوع عدة تفجيرات استهدفت عناصر شرطة ومدنيين والكنيسة المرقصية التي أسفرت عن مقتل 28 قبطياً فضلاً عن عشرات المصابين، وقد جاءت كلمات الرئيس السيسي الغاضبة بشأن ضرورة تحرك البرلمان لسن القوانين التي تمكن مؤسسة العدالة من انجاز الأحكام كي يرتدع كل من تسول له نفسه من المساس بأمن البلاد ـ جاءت تلك الكلمات لتمثل دفعة جديدة للبرلمان كي يعلن الاستنفار ويقوم بالمهمة في غضون فترة وجيزة غير ان فقهاء الدستور يحذرون من ان تسفر قوانين بعينها تقصر من إجراءات التقاضي إلى غياب معايير العدالة فيما يرى نشطاء في جمعيات ومؤسسات مدنية ان الحرب على الإرهاب لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تمضي لغاياتها وتحقق أهدافها فقط من خلال البندقية.
مصطلح الجيل الرابع من الحروب حذر منه كثيراً السيسي وإن كان خصوم له وبعض من يقفون على الحياد بينه وبين المعارضة يرون عدم وجود هذا النوع من الحروب التي يصر السيسي على انها تمارس بالفعل ضد مصر من أجل اسقاطها. غير ان السؤال الذي بات يفرض نفسه خاصة بعد عمليات التفجير هل مصر باتت على موعد مع جيل جديد من الإرهاب؟ أنصار النظام ومؤسسته الإعلامية تؤكد بالفعل ان مصر دخلت بالفعل ذلك المضمار خاصة بعد العملية الأخيرة لذا لابد من تكثيف لحرب ضد الإرهاب للحد الذي دفع بالبعض للمطالبة بمحاكم خاصة تسرع من وتيرة المحاكمات وتنفيذ العقوبة على مرأى ومسمع من الرأي العام كي يرتدع الإرهابيون. «دم حبارة لن يضيع هدراً» هكذا يقول بعض نشطاء المواقع الاجتماعية الذين قادوا حرباً الكترونية عقب تنفيذ الاعدام بهدف القصاص لحبارة الذي تسبب عقب اعدامه في ازدياد وتيرة الحرب على جماعة الإخوان المسلمين، إذ يطالب مراقبون بإعدام قيادات الجماعة المتواجدين في السجون وهناك من هم أكثر غضباً وهم جمع غفير من أنصار النظام الحالي يطالبون بعدم خروج الإسلاميين من السجون. كتاب ومفكرون أكثر هدوءاً مثل المستشار طارق البشري وفهمي هويدي وحسن نافعة وجمال سلطان وممدوح حمزة ومئات الأسماء الأخرى لرموز وكتاب وفقهاء في الدستور ورجال دين بعضهم من قلب المؤسسة الرسمية ورموز اخرى تنتمي لليسار واليمين ترى ان أخطر ما تواجهه مصر ليس ارتفاع وتيرة الإرهاب بل ضيق صدر النظام ورفضه القبول بعمل مراجعات فقهية لتلك القوى والتيارات الإسلامية على غرار ما فعله نظام مبارك الذي شهدت مصر خلاله عشرية سوداء من القتل والتخريب. ويرى أنصار فريق العقلاء انه بدون تلك المراجعات فمصر على موعد آخر مع عشرية جديدة قد تمتد عقودا مديدة أو قد تسفر لنموذج سوري أو عراقي ما يرشح للعوة مجدداً لتفعيل مقولة اعتى وزير خارجية شهدته مصر على مدار نصف قرن وهو الراحل زكي بدر والذي رفع شعار «الضرب في سويداء القلب» واعتمده بالفعل في التعامل مع الحركات المسلحة فأي طريقين ستتجه له مصر في المستقبل القريب، طريق الدماء أم ترفع غصن الزيتون في وجه الإسلاميين الذين باتوا يشعرون بوجود مظلمة تاريخية منذ خروج محمد مرسي من القصر الرئاسي وفض اعتصام رابعة على النحو الذي رأينا.