أحمد القديدي

ضرب الإرهاب خلال أسبوع واحد ثلاث مرات متتالية في برلين وفي صفاقس وفي أنقرة لكن هذه المرة وبالتزامن بشكليه الفردي المنعزل والرسمي الاحترافي. ففي برلين ارتكب إرهابي من أصل تونسي جريمة ضد مواطنين أبرياء تواجدوا يالصدفة في سوق أعياد نهاية السنة، وفي مدينة صفاقس التونسية ارتكب إرهاب الدولة العبرية جريمة اغتيال المهندس الشهيد محمد الزواري ويبدو أن بعض المنفذين الإسرائيليين دخلوا البلاد بجوازات ألمانية.. وفي أنقرة اغتالت يد رجل تركي منفرد سفير روسيا لدى تركيا (أندري كارلوف) وهو يصرخ: انتقاما لحلب وفي ملف سياسي علمت أن مكالمة هاتفية تمت بين رئيس تونس ومستشارة ألمانيا (حسب قناة فضائية فرنسية) تبادل فيها الباجي مع ميركل تفاصيل عمليتي برلين وصفاقس. كما أوقفت السلطات التونسية بعض المشتبه بهم في عملية برلين يوم السبت. ولعل ما يخفف عنا هول هذه المصائب ما صدر يوم الجمعة الماضي من قرار تاريخي عن مجلس الأمن من دون فيتو أمريكي لإدانة الاحتلال الصهيوني لفلسطين في بنود عادلة تدعو لإيقاف الاستيطان المخالف للقانون الدولي بل وذهبت سفيرة الولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة إلى حد نعت سلوك نتنياهو بذي الوجهين أي المستمر كما قالت في بناء مستوطنات على الأراضي المحتلة والادعاء بأن حكومته تسعى نحو السلام! وعلق المراقبون الغربيون على موقف أمريكا بأنه ناجم عن الانزعاج الأمريكي المتصاعد إزاء التهور الإسرائيلي واستخفافها بمصالح السلام العالمي ومصالح أمريكا ذاتها. وهذا الانزعاج يشترك فيه أيضا مفكرون ومثقفون وسياسيون يهود خوفا من التطرف الليكودي الراهن على بقاء دولة إسرائيل ذاتها باعتمادها فقط على القوة والغلبة وبالطبع على الإرهاب كما وقع في صفاقس.

الوجه الأول الانعزالي من الإرهاب الذي ضرب برلين واغتال السفير كارلوف والوجه الثاني الرسمي الذي ضرب تونس في أحد مواطنيها المهندس الطيار محمد الزواري يشكلان تهديدا للأمن العالمي ويقوضان الصروح الهشة التي تشيدها منظمة الأمم المتحدة لتقنين العلاقات الدولية وتعويض الحروب بالمفاوضات.

والنوعان من الإرهاب ضربا دولتين متميزتين لأن ألمانيا بزعامة مستشارتها السيدة ميركل كانت في مقدمة الدول الأوروبية التي استقبلت اللاجئين القادمين من مصائبنا العربية فكأنما خطط الإرهاب لمعاقبة المحسن على إحسانه ثم مهما كانت مواقف الحكومات فلا شيء يبرر أي عمل إرهابي ضد مواطنيها.

وفي تونس ضربنا إرهاب مخابرات إسرائيلية في عقر ديارنا باغتيال الشهيد المهندس الطيار محمد الزواري كأنما أراد الإرهاب الرسمي أن يعاقب شعبا مر بتجربة ثورة عارمة ضد الاستبداد لكنه حافظ على سلام وطني ومؤسسات دستورية وضعته نسبيا في مأمن أمين من الفوضى.

هؤلاء الذين يروعون الشوارع الآمنة في برلين أو صفاقس أو أنقرة أو بقصف حلب وتهجير ساكنيها ويزرعون الحقد ويدمرون العمران ويبيدون الحضارة ويفوتون على حضارة الإنسان فرصة السلام والتقدم والحريات. مرة أخرى يرتكبون جريمة لا ضد الأبرياء الضحايا ألمانا وعربا بل ضد الناس العاديين أينما كانوا وضد الإسلام ومجده وتاريخه وشعوبه ومصالحه وضد مشروع تحالف الحضارات وحوار الأديان وتعايش المختلفين، وتحدث هذه الجرائم الإرهابية على خلفية تهجير مئات الآلاف من مواطني حلب في ظروف مأساوية كما تحدث في محطات تاريخية تتميز بتسجيل التغيير الحاصل في البرلمانات الأوروبية نحو نصرة القضية الفلسطينية وهو معطى جديد في العلاقات الدولية يؤشر على سلامة التوجهات الفلسطينية والعربية عموما إلى توخي الحكمة والذكاء في التعامل مع الرأي العام الغربي لإقناعه بعدالة القضية الفلسطينية واعتماد الدولة العبرية المحتلة سبيل القوة وتجاهل القانون الدولي.

وليس من المستبعد أن تتحرك قوى خفية من جهات دبلوماسية وإعلامية مشبوهة لبث الرعب في المواطن الأوروبي العادي تحت ستار التطرف الإسلامي إمعانا في الفتنة وفي عملية تغيير إتجاه الرأي العام الأوروبي وإخفاء المستفيدين الحقيقيين عن المحاسبة والانكشاف وكذلك تعطيل مسار المصالحة التركية الروسية.

لكن مهما كان القتلة وكان محركوهم أو المستفيدون من جرائمهم فإنهم يقدمون للعالم تبريرات لإلغائنا بعد الربيع العربي من فلك التقدم والديمقراطية والعدالة بدعوى أن الإسلام والإرهاب شقيقان، وأن العنف والعرب شيء واحد! والأخطر الإيحاء بأن العرب غير مؤهلين لنظام ديمقراطي حداثي سليم وهو ما يتيح للقوى الاستخرابية الجديدة النادمة على التفريط في مواقع أقدامها في بلادنا والعودة بأشكال مبتكرة ومتطورة لإعادة استخرابنا ونهب ثرواتنا.

إن الأيدي الخفية كثيرة وأصحاب المصالح المشبوهة لا يرضون لنا جميعا لا حرية القرار ولا سيادة الخيار ولا سلام الإخوة الأحرار.. ولابد من الإشارة إلى أن النظام العالمي الأطلسي بدأ في الانهيار لتحل محله مبادرات إحياء طريق الحرير بالتضامن بين الصين وروسيا والهند وأغلب دول آسيا وإفريقيا والتي قررت إثارة هذا البديل في مؤتمر (الجي 20) المنتظر عقده في مدينة هامبورج الألمانية في يوليو 2017.