&سمير السعداوي
قيل كلام كثير عن علاقة بريطانيا بجيرانها، قيل أنها البلد الذي يغرّد خارج السرب الأوروبي وأنها «الخروف الأسود» في العائلة، وأنها بـ «انكلوسكسونيتها»، أقرب إلى الضفة الأخرى للأطلسي، منها إلى الشاطئ الشرقي لبحر المانش.
بعض من هذا الكلام فيه كثير من الاستعانة بالتاريخ والاستعارة من أزمات دينية وسياسية طواها الزمن، ولم يعد أحد في «القارة العجوز» يستند إليها في اتخاذ قراراته.
جلّ ما في الأمر أنها المصلحة العامة التي دفعت مارغريت ثاتشر إلى اعتماد إصلاحات قيل في حينها أنها «رهنت» المملكة المتحدة لأميركا، وتبيّن لاحقاً أن القرارات التي اتخذتها كانت صائبة، بمقياس مقارنة الوضع الاقتصادي في بريطانيا حالياً بمثيله في دول أوروبية عدة... طبعاً باستثناء ألمانيا التي يبدو منذ توحيدها حتى اليوم، أنها كلما دخلت أزمة خرجت منها أقوى، وذلك بفضل عوامل عدة وخصائص تتميز بها.
ظاهرياً يبدو أن في القارة قطبَين هما: بريطانيا غرباً وألمانيا شرقاً، يختلفان اختلافاً جذرياً حول الانفتاح والتكامل والاندماج، انفتاح الاتحاد على المهاجرين من الجوار، وتكامل دوله في ما بينها في شكل يتيح حرية كاملة في التنقل والعمل لمواطني الاتحاد أياً تكن أصولهم، وأخيراً، اندماج السياسات الأوروبية في شكل يؤدي إلى التخلي عن خصوصيات وامتيازات سواء على صعيد الاقتصاد (مثل قضية العملة الوطنية) أو المواقف السياسية (من الهجرة وغيرها).
وما سعى رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كامرون إلى تحقيقه من خلال مفاوضاته مع الأوروبيين الأسبوع الماضي، لم يكن مدفوعاً من رغبة عاطفية في الحفاظ على الاتحاد أو بقاء بريطانيا فيه، بل إن ثمة قلقاً مشتركاً بين حكومات الدول الكبرى في أوروبا، يدفعها إلى محاولة تسوية خلافاتها وتقريب وجهات النظر بينها، وهذا القلق مصدره صعود التيارات السياسية القومية المتشددة، كما تجلى ذلك في اليونان واسبانيا ودول أخرى أخيراً، وهذا ظاهرة إذا استمرت قد تؤدي إلى تفاقم الدعوات القومية الانفصالية، كما هي الحال بالنسبة إلى معاناة المملكة المتحدة مع الاستقلاليين في اسكتلندا او المواجهة بين السلطات الإسبانية والتيار «الكاتالوني».
وقد اختبرت المؤسسة الأوروبية صعوبة التعاطي مع التيار القومي منذ وصوله إلى الحكم في اثينا، وبالكاد نجحت في تدجينه، مستفيدة من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها اليونان، وهو أمر قد لا يكون مضموناً في مناطق أخرى، تملك نزعات استقلالية وقدرات على تحقيقها، في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
لذا لم يعد الأمر بالنسبة إلى كامرون مجرد حماية بريطانيا من «طوفان» المهاجرين الرومانيين الذين لا يتقنون الانكليزية، لغة وعادات، ويتوافدون على بلاده حيث يأملون في الاستفادة من نظام الرعاية الاجتماعية. كما أن الأمر لا يتعلق بمجرد الإبقاء على الجنيه الاسترليني في مواجهة «اليورو». القضية تتمحور حول الحفاظ على التنازلات التي قدمها الأوروبيون للبريطانيين منذ البداية، لإقناعهم بجدوى الاتحاد الأوروبي، ومن شأن الحفاظ على هذه التنازلات، تمكين الحكومة البريطانية من تسويق خيار البقاء في الاتحاد في استفتاء مقرر في 23 حزيران (يونيو) المقبل.
لذا فإن انتقال كامرون إلى موقع المدافع الشرس عن بقاء بلاده في الاتحاد، أتى بعد «تسلّح» حكومته باتفاق مع الأوروبيين، سلموا بموجبه بضرورة محافظة البريطانيين على خصوصيات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وهو الأمر الذي سيتيح لرئيس الوزراء البريطاني مواجهة خصوم سياسيين مناهضين لمفهوم الوحدة، مستنداً إلى شعار طرحه عبر الـ «بي بي سي» نهاية الأسبوع الماضي، بقوله: «قوتنا بجيراننا وشركائنا وأصدقائنا»...
التعليقات