&&وليد أبي مرشد& &

يقول مثل شعبي لبناني: «آخر العلاج الكي».

والمؤسف أن فشل كل «الوصفات الطبية» لحالة لبنان المرضية أوصلته اليوم إلى «آخر العلاج» دون أن توصله بعد إلى الطبيب المداوي.

لبنان اليوم هو «رجل الشرق الأوسط المريض» وساحة الاختبار الجانبية للصراع العربي - الإيراني المتجلبب بعباءتين مذهبيتين؛ واحدة سنية والأخرى شيعية.

يوم كان كثير من المحللين السياسيين يصفون لبنان بـ«الدولة الفاشلة» كان البعض الآخر يستهجن الوصف انطلاقًا من «فسحة الأمل» التي، لولاها، لضاقت آفاق العيش المشترك في لبنان إلى حد الاختناق.

ولكن التمسك بفسحة الأمل هذه، لا يمنع التساؤل: هل ما يمر به لبنان حاليًا من متاعب مردّه أزمة نظام أم أزمة كيان؟

لو كان أزمة نظام لكانت مؤسساته الدستورية قادرة على إتاحة مخرج من مأزق «عنق الزجاجة» الذي أوصلته إليه الثنائية السياسية والعسكرية القائمة حاليًا بين «الدولة» و«الدويلة» (مع التسليم بأنه يصح اليوم التساؤل عمن هي «الدولة» ومن هي «الدويلة»).

بين وضع حكومي مجمد، ومجلس نيابي ممدد، واقتصاد قومي مهدد، وفلتان أمني مؤبد.. أصبحت قنوات التغيير الدستوري مغلقة في لبنان من كل نواحيها، ما يجعله اليوم، نظريًا على الأقل، أنسب «حالة سياسية» عربية مهيأة لتقبل صدور «البلاغ رقم واحد» - لو لم تثبت الانقلابات العسكرية العربية أنها مجرد نقلة قسرية إلى نظام ديكتاتوري يحوّل الحريات الفردية والسياسية إلى أولى ضحاياه.

كان يفترض بدولة تحكمها طبقة سياسية تقليدية ومتوارثة جينيًا، أعجز من أن تجدد طاقمها من داخل النظام، أن تحافظ على «الأمر الواقع» في سياستها الخارجية تمامًا كما تحافظ عليه برتابة مملة - في مؤسساتها السياسية. ولكنها ارتأت، في أسوأ توقيت ممكن للبنان، أن تخرج عن نهج «المراوحة في مكانها» وعن التقليدي في سياستها الخارجية، أي التوافق مع الإجماع العربي.

يتفق المحللون الاستراتيجيون على أن أي دولة تخوض معركة يريد خصومها أن تتورط بها وفق توقيتهم الخاص، إنما ترتكب خطأ فادحًا ترتد تداعياته عليها.

وهذا هو الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته حكومة لبنان حين شذّ وزير خارجيتها عن الإجماعين العربي والإسلامي وامتنع عن إدانة الاعتداءات على المقرات الدبلوماسية السعودية في إيران دون أن يحسب أي حساب للتداعيات السلبية لموقفه، سياسيًا وأمنيًا. وقد يكون أسوأ ما كشف عنه هذا الخطأ أنه لم يرتكب استجابة لضغوط من «دولة» بل من «دويلة» داخل الدولة اللبنانية.

لم يعد خافيًا أن البعد السياسي لردة الفعل السعودية على موقف وزير خارجية لبنان (تجميد هبتين ماليتين قيمتين)، يتجاوز بعده المالي بأشواط، فهو يحرج نظام ثنائية السلطة في لبنان ويطرح على حكومته خيارًا محددًا بين «الدولة أو الدويلة».

من حيث المبدأ، المطروح على حكومة لبنان بعد القرار السعودي هو: إما تكون «الدولة» أو تكون «الدويلة».

ولكن خروج النظام اللبناني عن الثنائية السياسية والأمنية ما زال صعبًا في ظل الواقع الديموغرافي الذي أفرزه قرار المندوب السامي، الجنرال هنري غورو، عام 1920، القاضي بتوسيع حدود «لبنان المتصرفية» وضم الأقضية السورية الأربعة إليه.

بعد أن كانت علة وجود الكيان اللبناني ضمان ملجأ آمن للأقليات المذهبية والإثنية المضطهدة في الشرق الأوسط - وفي مقدمتها الأقلية المسيحية - أخلّ «لبنان الكبير» بالمعادلات الديموغرافية للبنان «المتصرفية» إلى حد تحويله، في مطلع القرن الحادي والعشرين، إلى إطار جغرافي لتنافس مذهبي – ديموغرافي على السلطة بين أكثريتين إسلاميتين إحداهما حريصة على عروبته والثانية تستمد قوتها من إيران، ما يبرر الادعاء بأن أزمة لبنان الراهنة هي أزمة كيان أكثر مما هي أزمة نظام.

سياسة لبنان الخارجية أصبحت اليوم أسيرة التركيبة الديموغرافية لكيان الجنرال غورو ولنظام سياسي شاذ في ديمقراطيته «التوافقية»، وفي الوقت نفسه رهينة صراعات إقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات قد تكون منها إعادة نظر الأسرة الدولية بالحدود الجغرافية لدول اتفاقية «سايكس - بيكو»، بما فيها حدود «لبنان الكبير».

&

&

&