&محمد خليفة

لأول مرة في التاريخ الحديث تجتمع إرادة العرب والمسلمين على هدف استراتيجي واحد، فالتحديات الجسيمة التي أوجدها انتشار الإرهاب والتدخلات الإقليمية والدولية في شؤون الدول العربية، دفعت الدول العربية الفاعلة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إلى المبادرة إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف لمواجهة تلك التحديات. فجاء الإعلان في 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن تشكيل التحالف الإسلامي المؤلف من 34 دولة لمحاربة الإرهاب في مناطق مختلفة بالعالم الإسلامي، حيث سيُناط بهذا التحالف قيادة العمليات وتنسيقها، انطلاقاً من مقره في الرياض.

وتنطلق مشروعية هذا التحالف من أحكام اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، والقضاء على أهدافه ومسبباته، وأداء لواجب حماية الأمة من شرور كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، مهما كان مذهبها وتسميتها، والتي تعيث في الأرض قتلاً وفساداً، وتهدف إلى ترويع الآمنين. وسرعان ما تجسد هذا التحالف على أرض الواقع من خلال إطلاق مناورات «رعد الشمال» يوم 14 فبراير/شباط، وهذه المناورات العسكرية هي الأهم والأكبر من نوعها في تاريخ المنطقة، من حيث عدد الدول المشتركة فيها، والأسلحة والمعدات العسكرية المتنوعة والمتطورة، ويبلغ عدد القوات المشاركة، 150 ألف جندي، مع 2540 مقاتلة حربية، و20 ألف دبابة، و460 مروحية هجومية، بالإضافة إلى مشاركة واسعة من سلاح المدفعية، والمشاة ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، وبما يعكس أعلى درجات التأهب القصوى لجيوش الدول العشرين المشاركة، وهي: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، البحرين، السنغال، السودان، الكويت، المالديف، المغرب، باكستان، تشاد، تونس، جزر القمر، جيبوتي، سلطنة عمان، قطر، ماليزيا، مصر، موريتانيا، موريشيوس، إضافة إلى قوات درع الجزيرة.

وقد وقع الاختيار على منطقة «حفر الباطن» في الشمال السعودي لإجراء المناورات، بهدف توجيه رسائل متعددة إقليمياً ودولياً، فأكبر الأخطار المحدقة بالأمة تأتي من قبل تنظيم «داعش» الذي يتواجد مركزه الرئيسي في العراق وسوريا، ويعلن أنه يريد إنشاء ما يسميها «دولة الخلافة»، وبما يعني تدمير مختلف الدول العربية تحت مظلة الخلافة المزعومة، وأيضاً فهناك إيران التي تتبنى في دستورها مبدأ «تصدير الثورة» ولها أيدٍ واضحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

إن الموقف الدولي الذي يتسم بالتخاذل، خاصة في القضية السورية، قد سبب صدمة كبيرة للدول العربية، المتضرر الأول والأكبر من استمرار مأساة الشعب السوري، التي كانت تعوّل على التدخل الإنساني الدولي هناك لإنهاء الحرب، وزاد الطين بلة تمدد «داعش» الواسع على الأرض السورية، ليزيد من ضبابية المشهد حيث أصبح المجتمع الدولي مهتماً بمحاربة «داعش» وسواه من المنظمات الإرهابية الأخرى النشطة في المنطقة، وليس بتخفيف معاناة الشعب السوري الشقيق.

وقد قادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً منذ سبتمبر/أيلول الماضي لقتال «داعش» في العراق وسوريا، وفي نفس الوقت ظلت الإدارة الأمريكية تطالب الدول العربية بمزيد من التعاون ضد الإرهاب، إلا أن التدخل الروسي، لصالح النظام السوري، وفقدان المعارضة المسلحة القدرة على الاستمرار من دون تدخل دولي لمصلحتها، قد أسهما في دفع دول التحالف الإسلامي، لاتخاذ موقف حازم تجاه ما يجري في سوريا، لأن إنهاء الأزمة عسكرياً، سيعني نشوء واقع دولي جديد انطلاقاً من سوريا، وسيكون لذلك أثر قوي في مختلف دول المنطقة، وهذا ما تدركه القيادات السياسية والعسكرية في دول التحالف الإسلامي. ومن هنا مسّت الحاجة لموقف عربي إسلامي واحد، هدفه الحؤول دون تغيير المعادلات القائمة بالقوة العسكرية لبعض الأطراف الإقليمية والدولية. فكانت «رعد الشمال» بمثابة رسالة واضحة بأن المملكة العربية السعودية وأشقاءها وأصدقاءها من الدول المشاركة تقف صفاً واحداً لمواجهة التحديات كافة، ومنع فرض واقع جديد على الأمة العربية والإسلامية، وأنها لن تتورع عن التدخل في اللحظة المناسبة لإنقاذ السلام العادل، ودفع الأذى المتمثل في محاولة بعض الدول الإقليمية فرض أجندتها، وكذلك وقف عبث التنظيمات الإرهابية والميليشيات الفوضوية المنتشرة في العراق وسوريا.

لكن تبقى الرسالة الأبرز موجهة لدول الغرب التي أرادت عبر انكفائها عن الأزمة السورية أن تدفع المنطقة إلى مزيد من الحروب الأهلية والدينية، لكن دول التحالف الإسلامي ستقطع الطريق أمام تلك الدول، من خلال إبداء استعدادها لاستخدام القوة العسكرية، والوصول لأبعد مدى ممكن، لإحباط مختلف المشاريع المشبوهة التي تتربص سوءاً بهذه الأمة.

فلا شك أن الاستعداد للحرب يمنع الحرب، ومناورات «رعد الشمال» بما تتضمنه من رسائل متعددة سوف تحقق الأمن للأمة العربية والإسلامية، وبما يساعدها على المضي قدماً في التنمية، ودعم الاقتصاد بشكل عام.