&محمود الريماوي

عاش الأردنيون طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين على وقع الترقب والانشغال الشديد وذلك مع تسرب أنباء عن مواجهة أمنية مع قوة متطرفة اعتصمت بإحدى البنايات السكنية في قلب مدينة إربد شمال البلد وعلى مبعدة نحو 25 كيلومتراً من الحدود السورية. تمثلت صعوبة هذه المواجهة في كونها تقع داخل منطقة مأهولة، وسرعان ما تم إخلاؤها لتجنب وقوع أي خسائر بشرية ومن أجل إحكام الطوق على المحاصرين. المواجهة استغرقت بضع ساعات وانتهت باستشهاد نقيب في القوات الخاصة راشد حسين الزيود وإصابة 5 من رجال الأمن بجروح بين بسيطة ومتوسطة، ومقتل المحاصرين السبعة الذين كانوا يتمنطقون بأحزمة ناسفة.

وبينما عمدت مديرية الأمن العام إلى وصف الجناة بأنهم خارجون على القانون، عمد جهاز المخابرات العامة إلى وصفهم ب«الدواعش»، علماً أنها من المرات النادرة التي تصدر فيها دائرة المخابرات بياناً باسمها. ويعزى ذلك كما هو واضح إلى الحساسية الأمنية لهذه المواجهة، والاستعداد التام لخوضها من طرف الجانب الأردني. المواجهة تمت من أجل اعتقال الجناة أو تصفيتهم، وقد كشفت السلطات أنها اعتقلت 13 شخصاً ينتمون للخلية نفسها التي وقعت المواجهة معها، وأن هذه الشبكة كانت تخطط للقيام بعمل تخريبي وإجرامي واسع مرتبط بعصابة «داعش». وكشفت بعض المصادر لصحيفة «الغد» الأردنية أن المخطط اشتمل على استهداف شخصيات عسكرية ومدنية وبعض المواقع الحساسة.

يذكر هنا أن آخر عملية إرهابية تعرض لها الأردن جرت في عام 2006 وعرفت بتفجيرات الفنادق وسقط خلالها عدد من المدنيين بينهم المخرج السوري مصطفى العقاد.

المنازلة الأردنية مع «داعش» كشفت عن استعدادات عالية المستوى وعلى درجة كبيرة من الجهوزية لمنع «داعش» من التسلل إلى الأردن، أو محاولة تشكيل خلايا تتبع «داعش» وتضم سلفيين متطرفين مطلقي السراح. واقع الأمر أنه بهذه المنازلة وبعد تهديدات صدرت في أوقات مختلفة تتوعد بالانتقال إلى الأردن، كان قرار السلطات الأردنية هو مواجهة هذه العصابة بطريقة استخبارية دقيقة وممنهجة، وبمواجهة أمنية ساحقة، وخاصة أن المشاعر الأردنية ما زالت محتقنة لاستشهاد الطيار الأردني الشاب معاذ الكساسبة حرقاً على أيدي عصابة «داعش» مطلع العام الماضي 2015 رغم أن مفاوضات كانت تدور بطريقة غير مباشرة مع التنظيم آنذاك. والرسالة الأردنية هنا أن الأردن لن يكون ساحة ولا ممراً ولا نقطة ارتكاز لهذا التنظيم الإرهابي، ولن يكون له أي وجود وعلى أي مستوى في الأردن، ولو حتى بحجم رمزي، هذا في الوقت الذي ينعم فيه متشددون سلفيون بحرية الحركة، وذلك لعدم تورطهم في أعمال إجرامية ما يجعل القانون يحميهم.

أخبار المنازلة ظلت تتوالى يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ومع ثقة الأردنيين بكفاءة أجهزتهم في التعامل مع مثل هذه التحديات الأمنية، إلا أنه كان هناك بعض القلق من أن تؤدي المنازلة إلى خسائر جانبية وقبل ذلك إلى خسائر في صفوف القوى الأمنية، إضافة إلى القلق من اندفاع رياح سموم المواجهات المتشعبة في سوريا والعراق عبر الحدود نحو الأردن. غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث وليس مرشحاً للحدوث والخسائر في صفوف القوة الأمنية كانت طفيفة علماً أن المواجهة تمت مع سبعة انتحاريين في كامل استعداداتهم.

الكفاءة العالية في التعامل مع هذا التحدي الجسيم أثارت إعجاباً واسع النطاق داخل الأردن وخارجه، وأشاعت أجواء من الطمأنينة بأن ال«دواعش» عاجزون عن التسلل إلى هذا البلد العربي حتى كهاربين.

الباحث الفرنسي في شؤون الجماعات الإسلامية أوليفيه روا تساءل عن سر نجاح الأردن في إحباط مخططات لمجموعة تنتمي لتنظيمات إرهابية. وقال الباحث الفرنسي لست وحدي من يتساءل كيف نجح الأردن وعجزت فرنسا عن ذلك؟.

تساؤلات الباحث وردت ضمن البرنامج المسائي لقناة «تي في5» الأوروبية وبحضور وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة اليو ماري. وأضاف الباحث على التلفزيون الفرنسي: «لقد أحبط الأردن عملاً إرهابياً في مهده وقبل أن يستجلب الإرهابيون لوازمهم اللوجستية وبجهد ذاتي تام لأن الأردن كان قد تقدم مراراً لحلفائه بتقارير عن تصاعد احتمالية استهدافه من الإرهاب منذ فترة طويلة وكان يحصل على تطمينات كلامية».

وقد لوحظ بعد انتهاء المنازلة مع «داعش» بيوم واحد (الخميس الماضي 3 مارس) أن الولايات المتحدة قامت بتسليم الأردن ثماني طائرات مروحية مقاتلة من نوع «بلاك هوك» وتم الإعلان بأن ثماني طائرات أخرى سوف تسلم للأردن بعد عشرة شهور.. وذلك في إطار مساعدات عسكرية بقيمة 200 مليون دولار.

وقصارى القول في هذا التطور أن فرص التمدد أمام تنظيم «داعش» الإرهابي ووجهت بهزيمة ساحقة في الأردن، حيث لم ينجح هذا التنظيم في تحقيق أي اختراق مهما ضؤل شأنه على مدى السنوات الماضية، وذلك رغم التداخل بين هذا التنظيم وبعض التيارات السلفية والجهادية ممن لها حضور في الأردن. هذا إضافة إلى دور الأردن في مكافحة التنظيم ضمن التحالف الإقليمي والدولي. علماً أن إلقاء القبض على 13 متهماً في الشبكة الإرهابية قد يوفر معلومات تساعد التحالف في الحرب الجوية على «إمارة الرقة».