&عمار علي حسن
يبدو التعليق الأنسب على التفجيرات التي ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الثلاثاء الماضي وأوقعت 34 قتيلاً وأكثر من 100 جريح هو أن «الإرهاب يتمدد»، فبعد روما ومدريد ولندن وباريس، ها هي بروكسل تدخل حزام الإرهاب، وهي ليست عاصمة دولة فحسب، بل هي مقر الاتحاد الأوروبي، وهذا له معنى ومغزى مادي ورمزي لم يكن غائباً عن أذهان الذين استهدفوها.
وقد ربطت تحليلات متعجلة بين تمكن بلجيكا من القبض على صلاح عبدالسلام المتهم في تفجيرات باريس التي وقعت في نوفمبر الماضي وبين حادث تفجير مطار ومترو بروكسل، وظني أن هذا ليس صحيحاً، والأرجح أن تلك العملية كان مخططاً لها منذ زمن، وربما بُعيد ما جرى في العاصمة الفرنسية، فرئيس الوزراء البلجيكي قال «ما كنا نخشاه وقع»، بل إن وزير داخليته قد صرح قبل يوم من وقوع الحادث بأن بلاده في حالة تأهب قصوى تحسباً لوقوع هجوم انتقامي، وذلك عقب القبض على عبدالسلام، وقال «نعرف أن توقيف خلية يمكن أن.. يدفع آخرين إلى العمل. نحن على علم بذلك في هذه الحالة». ولكن دخول بروكسل على خط أحداث باريس وقت وقوعها قبل أكثر من أربعة أشهر يبين أن هذا المخطط أقدم من الإمساك بإرهابي هارب. ووكالة «رويترز» نفسها قالت في تقرير حول الحادث «من غير الواضح ما هي الثغرات الأمنية التي سمحت للمخطط يوم الثلاثاء بالمضي قدماً، وما إذا كان الهجوم المزدوج قد خطط له مسبقاً أو اعتمد في وقت قصير».
ومن الممكن أن يكون «الدواعش» قد وضعوا «بنك أهداف» في أوروبا منذ مدة، وها هم ينفذونه تباعاً، والأوروبيون أنفسهم يدركون هذه الحقيقة، بدليل أنهم جميعاً شرعوا في إجراءات احترازية بعد تفجيرات بروكسل، بدرجات متفاوتة، وحسب توقع كل بلد لمستوى استهدافه، وحجم التهديدات التي تلقاها من إرهابيين، وعدد الذين انضموا من مواطنيه لـ«داعش».
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: إلى متى سينتظر العالم قيام الإرهابيين بالتمدد الجغرافي وتحقيق الأهداف التي وضعوها؟ لقد قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كان موجوداً في كوبا وقت وقوع الحادث، إنه «يجب أن نتكاتف في المعركة ضد الإرهاب دون النظر إلى جنسية أو عرق أو عقيدة.. ونحن قادرون على هزيمة من يهددون سلامة الناس وأمنهم في مختلف أنحاء العالم وسننجح في ذلك». لكن واشنطن ومعها عواصم غربية كبرى لا تريد أن تدرك أن هذا التكاتف ينبني على أسس محددة يمكن ذكرها على النحو التالي:
1- يجب التعاون التام بين الغرب ودول عربية وإسلامية في مجال تبادل المعلومات حول التنظيمات الإرهابية، ليس فقط بوتيرة أسرع وأعمق مما عليه الآن، ولكن بشكل تام، ودون مداراة أو تحايل.
2- من الضروري أن يجري التنسيق العميق بين كافة الدول المعنية بمكافحة الإرهاب في الخطط الأمنية أو العسكرية التي تستهدف مواجهة الإرهابيين، سواء من خلال الحرب الدفاعية أو المبادرة أو المبادأة التي تخرجهم من جحورهم وتنهي خطرهم.
3- من المهم جداً فهم أن المعركة هي ضد الإرهاب، كأفكار وأنساق ونظم، وليست فقط ضد الإرهابيين، وأن الاكتفاء بمطاردة الإرهابيين وقتلهم في ساحات المعارك أو القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، ليس كافياً وحده، إنما الأهم هو ضرب البيئات الحاضنة والمحفزة والمنتجة للإرهاب.
4- عدم قيام أي دولة بتوظيف تنظيمات وجماعات إرهابية لخدمة مصالحها، فما تعاون أحد مع إرهابيين إلا انقلبوا عليه، فضلاً عن ضرره بالآخرين، وهذا يدخل في باب «رعاية الإرهاب» بل العدوان على دول، وبذا تترتب عليه عقوبات وخيمة إن طبقنا القانون الدولي.
فمن دون هذه الأسس الأربعة، على الأقل، يبقى حديث المسؤولين الغربيين عن مكافحة الإرهاب مجرد تصريحات للاستهلاك المحلي، في محاولة لاسترداد ما تم خصمه من رصيدهم السياسي بعد كل عملية إرهابية تقع في بلادهم.
التعليقات