&&محمد طيفوري من الرباط&

أربعة عقود من الزمن مضت عن ملحمة المسيرة الخضراء "6 تشرين الثاني (نوفمبر)1975"، التي مكنت المغرب من استرجاع جزئي لأقاليمه الجنوبية، 40 سنة ملؤها خطط سرية وعلنية ومبادرات رسمية وغير رسمية ومفاوضات مباشرة وغير مباشرة، لم تُمكن الأطراف حتى الآن من وضع حد لهذا النزاع، الذي صار واحداً من أقدم النزاعات في القارة السمراء؛ الموضوعة في رفوف اللجنة الرابعة (لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار) داخل أروقة مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك.

&ربع قرن انقضى على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار؛ بعد حرب الرمال الضروس التي أنهكت أطراف النزاع (المغرب وبوليساريو والجزائر) عدة وعتادا، ودخول قوات المينورسو الأممية بموجب القرار الأممي رقم 690 بداية من شهر نيسان (أبريل) 1991 لمراقبة واقع أشبه بقِدرٍ على رماد متوقد حتى إشعار آخر في انتظار انفراج أو حلٍ ينبلج في الأفق.

&حل بدأت معالمه تتبدى أخيرا بعدما غيَّرَ المغرب استراتيجية تدبير ملف الصحراء - قضية المغاربة الأولى- القائم طوال عقود من الزمن على المقاربة الأمنية الفوقية بمقاربة تشاركية مجتمعية جديدة، قوامها مقترح مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء تحت مظلة مشروع أكبر انخرط فيه المغرب متعلق بالجهوية المتقدمة.&

أزمة عقود من التدبير الأمني&

منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين بداية تسعينيات القرن الماضي، شهد مسار القضية عديدا من المنعطفات المهمة، التي قادت متغيراتُها المغرب إلى ما هو عليه الوضع الآن في الصحراء.&

لكن بقيت سيطرة الأجهزة الأمنية، وإحكام قبضتها على الملف ميزة أساسية طبعت تلك السنوات، حيث تولت متابعة مجرياته منذ أيام الراحل الحسن الثاني، وحتى عندما نُقلت أوراق الملف من دهاليز وزارة الداخلية إلى رحاب وزارة الخارجية، بغية التفاوض والتحرك في المنتديات العالمية والمحافل الدولية، كانت تمثيلية المقاربة الأمنية دائمة الحضور في الوفود المغربية، وظلَّت العقلية الأمنية حاضرة بقوة في مسار المفاوضات.

هذا الخيار جعل عموم المغاربة والصحراويين منه على وجه الخصوص دائمي الشعور بالحرمان والإقصاء من المشاركة في تدبير قضية استكمال وحدتهم الترابية، التي قدموا من أجلها الغالي والنفيس في الأرواح والأموال، فغالباً ما تتَّخذُ القرارات في دوائر عليا يجد المغاربة أنفسهم مجبرين على القبول بها، وتزكيتها والدفاع عنها حفاظا على وحدة الصف الداخلي.

&أدرك المغرب في الآونة الأخيرة أن هذا التوجه لا يُفضي إلا إلى مزيدٍ من التعقيد والتأزيم، وانسداد أي أفق لحل هذا النزاع يعوق مسيرة التقدم والنمو في البلد. حقيقة دفعته إلى التفكير في منهجية جديدة وأسلوب مختلف لإدارة وتدبير الملف.

&رهان على التنمية المحلية

&فرضت جملة من المتغيرات الداخلية والخارجية على المغرب إعادة النظر في أسلوب القبضة الأمنية التي يُدبر بها قضية الصحراء لسنوات طويلة، فكان المدخل التنموي هو البديل العملي الناجع، بغية إقامة قطيعة مع دابر سنوات خلت، وإثبات صدق النوايا في وضع حل نهائي لهذا النزاع.

&واقع جديد أوجب على الدولة إنشاء مؤسسات وهياكل جديدة تكون بمثابة جسر للتواصل ومنبر لتمثيل سكان الصحراء، ومرجعا تستند إليه الدولة من خلال إعمال آليات التدبير التشاركي من أجل تنزيل مقتضيات هذه المقاربة الجديدة في الصحراء. ضمن هذا السياق يأتي تأسيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية "آذار (مارس) 2006" كقناة وصل بين الصحراويين والدولة، وأداة لضمان تدبير تشاركي فعال وناجع في إقرار وتنزيل مخططات وبرامج التنمية المحلية في الأقاليم الجنوبية.

&مشروع الحكم الذاتي&

في شهر نيسان (أبريل) عام 2007 قدم المغرب إلى هيئة الأمم المتحدة نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، أو ما بات يُعرف في التداول اليومي بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء.

&مبادرة أتت في سياق استجابة المغرب لمجلس الأمن الذي دعا منذ سنة 2004 الأطراف ودول المنطقة إلى مواصلة تعاونها التام مع الأمم المتحدة، لوضع حد للمأزق الراهن، ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي.

&هذا المقترح يقدّمه المغرب كحلّ سياسي للنزاع الدائر حول صحرائه الجنوبية، لقي أصداء إيجابية لدى الأوساط الدولية التي ترى فيه المخرج الأنسب والأسلم الذي من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية الصادرة عن البوليساريو ومن يقف وراءهم، رغم إصرار هذا الطرف الأخير على عرقلة أي جهود رامية للتسوية تأبيدا للأزمة لا غير.

&2016 تطورات استثنائية&

هذا العام شهد الملف تطورات خطيرة كادت تعيد القضية إلى مربعها الأول، بعد تلويح جبهة البوليساريو بالعودة إلى حمل السلاح، وقبلها تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أولا، وخذلان بعض أصدقاء المغرب القدماء له بالتذبدب في مواقفهم تجاه قضيته المصيرية ثانيا.

&عقب هذه التحولات أعلن المغرب استنفاراً على كل الجبهات لمواجهة أعداء وحدته الترابية، فعلى الصعيد الداخلي شهدت العاصمة الرباط بتاريخ 13 آذار (مارس) مسيرة مليونية شعبية، تدين تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة المنحازة حول قضية الصحراء، أردفَها بتصعيد للدبلوماسية المغربية ضد بعثة المينورسو الموجودة في الصحراء، مضاف إلى كل ذلك سحب للتمثيلية المغربية في قوات حفظ السلام (القبعات الزرق).&

بعدما تبين له أن التطورات الأخيرة في ملف الصحراء تضرب في الصميم كل جهود المغرب التي قدمتها طوال عقود من الزمن من أجل التوصل إلى حل سياسي متوافق عليه.

&خارجيا عمد المغرب إلى إعادة النظر في لائحة أصدقائه وحلفائه بناء على المتغيرات الجيو استراتيجية في المنطقة والاصطفاف الجديد للقوى الدولية في العالم، بعدما تلقى طعنات من الظهر ممن يعتبرهم أصدقاء وشركاء استراتيجيين حتى الأمس القريب.&

وضعية فرضت على المغرب نهج استراتيجية جديدة أساسها تنويع الشركاء الاستراتيجيين له، فجاءت في هذا السياق زيارة عاهل البلاد إلى روسيا في الشهر المنصرم. وقبلها في شهر أكتوبر من العام الماضي زار الهند. ومن المرتقب أن تتلوهما زيارة في الأشهر المقبلة زيارة إلى الصين.&

تكتل خليجي - مغربي استراتيجي&

أدرك المغرب أن قضية الصحراء أضحت في الآونة الأخيرة أداة ابتزاز له، وورقة يهدف اللاعبون بها إلى زعزعة الاستقرار والاستثناء المغربي في شمال القارة الإفريقية. بصيغة أخرى، أصحب الملف مجرد غطاء الغاية من ورائه إيقاف نموذج الإصلاح في ظل الاستقرار الذي تسير البلاد على هديه منذ بداية الربيع العربي.

&

ما انفك لسان المغرب يردد هذه الأيام تلك الحكمة القائلة "الضربة التي لا تقتلني تقويني" وهو يبعث برسالة قوية إلى العالم؛ وفي مقدمتهم كل الأطراف التي خذلته في الدفاع عن قضيته، من عاصمة السعودية الرياض ضمن أشغال القمة المغربية الخليجية يوم الأربعاء المنصرم 20 نيسان (أبريل).&

رسالة مضمونها أن الاعتماد لن يكون إلا على إخوانه وأشقائه في الدول العربية وبالتحديد دول الخليج، باعتبار وحدة التحديات والأخطار التي تواجه هذه الدول المستقرة في إقليم عربي متوتر ومضطرب.&

ختاما نؤكد أن العلاقات المغربية الخليجية ضاربة في العمق والتجدر، وليست وليدة لحظة ظرفية أو متغير طارئ. لكن الأكيد أن متغيرات الساحة الدولية بحساباتها المتباينة تدفع بها نحو مزيد من التكامل والتعاضد لما فيه ضمان حماية مصالح شعوب تلك البلدان من أطماع ومصالح القوى الكبرى في العالم.