&عاطف الغمري
منذ نحو عامين، وخبراء مكافحة الإرهاب في الغرب، ينبهون حكوماتهم إلى أولوية قطع مصادر تمويل المنظمات الإرهابية، وأن تلك هي نقطة البداية للقضاء على الإرهاب.
ومع ذلك تضاعفت في دول الغرب أعداد مصادر تمويل الإرهاب، ونشاطها بطريقة مثيرة للحيرة، تمثلت في السوق السوداء للمتاجرة فيما تنهبه منظمات الإرهاب، خاصة في سوريا والعراق، من الثروات البترولية في الدولتين، وخروجها عن طريق أقرب الدول الواقعة على حدودها، وخاصة تركيا، لتصل إلى أسواقها الحرام في أوروبا والولايات المتحدة. هذه الأسواق السوداء، لا تقتصر على البترول، بل تشمل الآثار المسروقة، والسلاح. وكل ذلك أوجد علاقة غير مشروعة بين الإرهابيين الذين يعرضون مسروقاتهم في هذه الأسواق الدولية، وبين عصابات الجريمة المنظمة، التي تتاجر في المسروقات وتبيع السلاح للإرهابيين.
وبذلك انتشرت في دول الغرب، بؤرة خطيرة، تخالف قوانين هذه الدول، وتجذب إليها عناصر لها سجلات إجرامية، في عالم الجريمة، وتجارة المخدرات، بعد أن اقتنعت هذه العناصر بأن انضمامها إلى جماعات الإرهاب، سوف يعود عليها بأرباح تفوق نشاطها في عالم الجريمة المنظمة. ظهر ذلك بوضوح مؤخراً، عندما اكتشفت السلطات البلجيكية أن الشقيقين اللذين ارتكبا التفجيرات الأخيرة في مطار بروكسل، هما خالد وإبراهيم البكراوي، مسجل اسم كل منهما في قوائم عصابات الجريمة المنظمة. ومن قبلهما كانت تحقيقات أجهزة الأمن البريطانية قد وجدت أن من بين الأشخاص الذين سافروا للانضمام إلى داعش في سوريا والعراق، وقتل بعضهم هناك، هم مجرمون محترفون، ومقيدون في سجلات الأمن، بسبب نشاطهم في مجالات السرقة والقتل. وهناك تقارير دولية أكدت أن شبكات الجريمة المنظمة على مستوى العالم، أصبحت تتقاسم مع المنظمات الإرهابية، الكثير من الخصائص، وأساليب النشاط غير المشروع، وأنهما يشكلان معاً جبهة واحدة، تهدد الأمن القومى لكثير من الدول.
وكانت الأمم المتحدة قد نشرت تقريراً عن تزايد دور تهريب المخدرات، في تمويل الإرهاب العالمي. وعلى سبيل المثال فإن قيمة المتاجرة في محصول المخدرات في أفغانستان - في السنة التي وضع فيها التقرير وهي 2007 - وصل إلى ثلاثة مليارات من الدولارات، ثم تضاعف الرقم بعد التوسع في الصلة بين الإرهاب وعصابات المخدرات.
إن التعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة، حتى ولو ادعى الإرهابيون إنهم يعبرون عن قضية سياسية، إلا إنهم في النهاية مجرمون وقتلة، وضالعون في تجارة المخدرات والسطو على ثروات الشعوب، ومدمرون للحضارة، وتجمعهم الآن شبكة جريمة دولية واحدة. وإذا لم يتم التعامل معهم على هذا الأساس، عندئذ تزداد الشكوك في صدق نوايا حكومات الغرب تجاه القضاء النهائي على الإرهاب.
ويبقى السؤال: هل تتعامل هذه الحكومات مع المنظمات الإرهابية، كمصدر خطر عليها إلى أن تنكسر شوكتها، وينزاح خطرها بعيداً عنها، وكأنها لا تتبنى استراتيجية القضاء التام عليها، من أجل أن تبقيها رصيداً تستخدمه عندما تحتاج إليه؟. وهي شكوك تعززها معلومات مسجلة في تقارير ومؤلفات، منها على سبيل المثال ما ورد في ملفات الأرشيف الوطني الرسمي للحكومة البريطانية - بعد السماح بالاطلاع عليه لمرور ثلاثين عاماً على أحداثه - من أن أجهزة الأمن البريطانية تستخدم بعض «الإخوان المسلمين» المقيمين في لندن، مخبرين وعملاء.
ومنها أيضاً ما ذكره الخبير الأمني الألماني جيدو ستينبرغ من أن المخابرات الألمانية، سبق أن استخدمت أعضاء من «جماعة الإخوان» أثناء الحرب الباردة، ليحصلوا لها على معلومات مخابراتية عن سوريا.
إن الإبقاء على علاقات مع منظمات متطرفة، مع وجود شكوك في اتصالها بمنظمات إرهابية، يرجع إلى العلاقة التاريخية الطويلة معها، واستخدامها في نشاط مخابراتي، يجعل هذه الدول في مواقف متناقضة. فكيف يمكن لهذه الدول، أن توازن بين اعتبارات أمنها، وبين خطورة جماعات تمارس الإرهاب حتى ولو كان في دول أخرى بعيدة عنها؟.. وإن كانت هناك حكومات غربية - مثل فرنسا - قد حلت عقدة هذا التناقض، وانحازت إلى مصالح أمنها القومي، وأمن شعوبها.
التعليقات