&سمير السعداوي

ربما يتعيّن الاعتذار لشاعر تركيا ناظم حكمت لأن «أجمل الأيام لم يأتِ» ولا يبدو انه آتٍ قريباً، بل تتجه الأوضاع الى تراجيديا مأسوية مع اكتظاظ السجون بآلاف المعتقلين، إثر المحاولة الانقلابية التي تكشفت فصولها الدرامية ليل الجمعة – السبت الماضي، وانتهت بإحكام الرئيس رجب طيب أردوغان سيطرته.

على الأثر، كتب أحد الظرفاء معلقاً: «المهم لمن سيهدي أردوغان انتصاره ... الى تركيا وشعبها أم الى أحلامه السلطانية؟». والسؤال هنا بقدر أهمية الجواب على تساؤلات عن «سرعة واحترافية» الأجهزة الموالية للرئيس و «حماقة» قلّ نظيرها لدى القيمين على المحاولة المزعومة، جعلتهم لقمة سائغة بين يديه.

واذا اعتُبر ضرباً من ضروب المبالغة القول إن أردوغان لفّق المحاولة لتعزيز سلطاته، كما تكهن خصمه اللدود فتح الله غولن، فلا يقل عن ذلك مبالغة، الكلام عن «هبة شعبية دفاعاً عن الديموقراطية»، فما حصل ليل الجمعة، كان بعيداً جداً من استعادة مشهد تظاهرات مليونية كاسحة، بل كان أقرب الى عملية نزول «شبيحة» الى الشوارع واستغلالهم مناقبية العسكري التركي التي تمنعه من إطلاق النار على المدنيين، لدفعه الى الاستسلام.

المفارقة لا تقتصر على ذلك، بل تتعداه الى مغزى أن تكون النسخة الثانية المتوقعة لأردوغان «المتصالح» مع خصوم الخارج (من تل أبيب الى الكرملين مروراً بالواقع السوري)، أن يكون «أردوغان الثاني» هذا، مقبلاً على خصومة متفاقمة مع الداخل. ولعل في تلميح باريس الى أن «التحرك الانقلابي» لا يعطي الرئيس التركي «شيكاً على بياض» لممارسة قمع وتهديد بإعدامات (فضلاً عن تشكيكها بمحاربته «داعش»)، رسالة مفادها أنه لا يمكن أحداً أن يقيم على حافة الهاوية ويمتلك في الوقت ذاته طموحات توسعية لجهة النفوذ والتأثير في محيطه.

كما أن «الشرعية الدستورية» لا تكال بمكيالين، بل يتعين ان تُحترم بكل جوانبها خصوصاً ما يتعلق بحكم القانون، كما لاحظ أكثر من طرف دولي، بما في ذلك الكرملين ووزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغريني التي أشارت الى أن لا عذر لتركيا في التخلي عن سيادة القانون...

لذا فإن الوضع التركي وضع فور جلاء غبار المعركة نهاية الأسبوع الماضي، تحت رقابة مشددة من الغرب، مع ورود تقارير عن اعتقالات وقرارات عزل وملاحقات، طاولت قضاة وأمنيين وبيروقراطيين، ما يعزز تكهنات بـ «تطهير واسع» يمهّد للتعويض عما افتقده النظام من صلاحيات لم تعطه إياها الانتخابات الأخيرة. وبالتالي لم يعد السؤال عن عدد الذين سيشملهم التطهير، بقدر ما هو عن البقية من الناجين.

واذا كان أردوغان يشعر بمؤامرة كونية ضده فلا مبرر لتحقيق أهدافها بالانقضاض على الداخل، في وقت بدأ الخصوم المفترضون في الخارج يتداولون حديثاً عن نزعة الى «أسلمة» الجيش والإجهاز على ما تبقى من علمانية الدولة وتحويلها الى مجرد حبر على ورق.

وللمناسبة فالحديث عن الأسلمة يطرب آذان «الإخوان» في المنطقة الذين لطالما أصروا على اتهام الرئيس عبد الناصر بتلفيق محاولة اغتياله في المنشية للانقضاض عليهم، لكنهم في المقابل ينكرون على الآخرين حق الشك في تلفيق او تدبير مسبق لأحداث ليل الجمعة الماضي في تركيا، باعتبارها اوهاماً وترهات!

لكن زعماء الأحزاب «غير الحاكمة» في تركيا، بدوا في ضوء خبرتهم مع عملية «المطرقة» وسيناريوات مشابهة، مدركين أن «أردوغان الثاني» لا يعدو كونه الأول لكن من دون أقنعة ولا قفازات، لذا سارعوا الى إدانة محاولة انقلابية لم تكن لهم يد فيها، تماماً كسائر المحاولات منذ وصول «العدالة والتنمية» الى السلطة.