&أحمد المرشد


يحدوني الأمل من يوليو ليوليو أن يكتب الله لي عمرا لكي أضيف جملة عن ثورة يوليو المباركة، ثورة الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر التي رفعت من شأن العرب ووحدت كلمتهم ضد الاستعمار، وكانت الثورة إحدى عوامل انهيار عصر الإمبريالية في كثير من الدول.


عندما نجح عبد الناصر في زرع بذرة الثورة لتنال الشعوب حرياتها وثرواتها المسلوبة، لم يغب عن وعيه في هذه الآونة أن الدول الاستعمارية ستعيد الكرة مرة اخرى لتقتحم مناطقنا، ليس بقوة السلاح كما كان في السابق، ولكن السلاح اختلف هذه المرة، فكان تحت شعار «الديمقراطية» وهو شعار زائف لم نجن منه سوى الدمار والمر والعلقم، فبذرة الحرية التي زرعها عبد الناصر فينا ينتزعها المستعمر بسلاح نشر الفوضى الخلاقة في منطقتنا، وهو السلاح الذي توعدتنا به كوندوليزا رايس وزيرة خارجية جورج بوش الإبن، هذا الصهيوني المسيحي اليميني الذي دمر العراق بحجة تملكه أسلحة دمار شامل، ليأتي تقرير شيلكوت البريطاني ليبرئ العراق وصدام حسين، وليدين مباشرة توني بلير وجورج بوش الذي يدعي أن العالم أفضل بدون صدام حسين.


طبعًا لمثل هؤلاء الأقزام، فإن العالم أفضل بدون عبد الناصر وصدام حسين، فناصر مثل لهم كابوسًا لم يفيقوا منه سوى بوفاته، حتى في لحظات انكسار مصر ونكسة 1967 استطاع الجيش المصري تحت قيادة عبد الناصر الواعية والمتحفزة لتحقيق النصر في لملمة وحداته بسرعة استعدادًا لمعركة النصر، فكانت حرب الاستنزاف التي لا يزال العسكريون يكتبون عنها مؤلفات كثيرة، تؤكد جميعها عظمة عبدالناصر في شن معركة ما قبل حرب اكتوبر بما مهد للمصريين الفرصة لتحقيق انتصارهم الكبير مدعومين بسلاح وجنود عرب.
لقد ذهب جمال عبدالناصر، وهو رجل عظيم، لمنح بلده وأمته وقارته وعالمه الحرية وزرع فيهم بذرة الكرامة، ليكون من أشهر ثوريي العالم وأعظمهم عطاء وانجازا، وهو ما ندعو اليه شعوبنا العربية اليوم لكي تتأسى بهذا الرجل، الوحدوي، العروبي
الذي ضحى بنفسه وصحته وحياته من أجلنا جميعًا، فلنواصل مسيرة الوحدة والعروبة.
ولعلي أقول كلمة لكل أولئك الذين يسنون سكاكينهم لذبح ذكرى يوليو من عقولنا ونفوسنا، ويستغلون ذكرى ثورة يوليو ليشنوا عليها هجومهم المكرر وليبثوا فينا روح اليأس، لن تفلح محاولاتكم الخبيثة، وتحديدا في ذكرى هذا العام التي تأتي بعد أيام من قليلة من تقرير شيلكوت البريطاني الذي أعلن براءة صدام حسين من تهمة تسليم العراق للأمريكيين، فالغرب هو الذي تآمر على جمال عبد الناصر ومن بعده صدام حسين، ولعلي أقول لكل المتآمرين من بني جلدتنا، من بني العرب، ستخيب مساعيكم الخبيثة ولن تنالوا من زعماء الوحدة العربية، فعبد الناصر وحد أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، وكان زعيما لمنظمة الوحدة الإفريقية وعدم الانحياز، وسيظل عبد الناصر رمزا للثورات العربية والإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينة، وسيظل اسمه محفورًا بحروف من ذهب، ويكفيه صوره وتماثيله التي تملأ ميادين العالم وشعاراته التي يحفظها كل ثوري في العالم.
ولكل من يقول أن عهد عبد الناصر انتهى ولم يعد له وجود، أذكرهم بالعودة الى الميادين المصرية خلال ثورات المصريين على مدى السنوات القليلة الماضية، ليروا بأم أعينهم كيف كانت صور عبد الناصر تملأ الميادين، فمن الذي استدعاها من الذاكرة مع تميز تلك الثورات بعنصر الشباب، إنه إرث عبد الناصر، فعبد الناصر هو الزعيم الذي غرس في وجدان الشعوب الثورية شعارات الحرية والكرامة والعيش والعدالة. فهذا الإرث يشرف كل مصري، وعربي، وإفريقي، وآسيوي، وأمريكي لاتيني.


من أفضل قراءاتي عن الزعيم جمال عبد الناصر حكاية يرويها الأديب المصري بهاء طاهر، فقد زار كينيا ضمن وفد لمنظمة اليونسكو التي كان يعمل بها.. وتوجه مع الوفد الى إحدى القرى النائية ليشاهد صاحب محل صغير يعلق صورة جمال عبدالناصر على الحائط.. فكان من الطبيعي أن يسأل بهاء طاهر صاحب المحل عمن يكون صاحب هذه الصورة التي يعلقها ولم يعلق صورة لرئيس دولته كما جرت العادة في العالم الثالث.. اندهش الرجل من سؤال بهاء طاهر، حيث لم يكن يتوقع أن أحدا في العالم لا يعرف جمال عبدالناصر. فأجاب على سؤال بهاء طاهر بقوة: «إنه (أبو إفريقيا)». يقول بهاء طاهر إن صاحب المحل تعمد ألا يذكر اسم جمال عبدالناصر في إجابته، لأنه فضل أن يختار لقب (أبو إفريقيا)، وهنا واصل بهاء طاهر أسئلته للرجل: «ومن هو (أبو إفريقيا)؟»، وهنا أجاب الرجل بتؤدة وقوة معا مفتخرًا برده: «وهل هناك غيره، إنه جمال عبدالناصر».


يستكمل بهاء طاهر روايته عن الواقعة، ليؤكد أنه لم يشعر بفخر في حياته مثلما كان هذا اليوم، ويزيد قائلا: المواطن الكيني البسيط شعر بعدم الراحة وأبدى امتعاضه لأنه صادف أحد سكان العالم لا يعرف جمال عبدالناصر، فماذا لو عرف هذا الرجل الكيني أن بعض المصريين الآن يلومون جمال عبدالناصر بسبب وقوفه مع الثورات وحركات التحرر الإفريقية وهو السبب في حصوله على لقب (أبوإفريقيا)؟.. وماذا لو عرف هذا المواطن الكيني أن بعض المصريين والعرب لا هم لهم سوى الهجوم على عبدالناصر في وقتنا الراهن؟. هذا هو جمال عبد الناصر (أبو إفريقيا والعروبة) إذ تشهد له الثورات الجزائرية واليمنية وأهل السودان وسوريا.


واتذكر أنه عندما فاز رئيس البرلمان المصري فتحي سرور في أواخر التسعينات برئاسة البرلمان الدولي، أن علق على فوزه الساحق بقوله: «جمال عبد الناصر هو سبب فوزي، فكل البرلمانات الإفريقية صوتت لصالحي تحية لذكرى عبد الناصر». إنه عبد الناصر الذي قال فيه زعيم جنوب إفريقيا الشهير نيلسون مانديلا عندما فازت بلاده بتنظيم بطولة كأس العالم عام 2010، إن بلاده ولا غيرها لم تكن لتجرؤ أن تنافس مصر على تنظيم تلك البطولة في وجود جمال عبد الناصر.
على شعوب دول ما يسمي بـ«الربيع العربي» أن يدركوا جيدا كيف كانت ثورة يوليو نبراسا لكل شعوب العالم، عربا وأفارقة وأمريكا اللاتينية وآسيا، لكي ينالوا استقلالهم وحريتهم.. وعلى هذه الشعوب أن تعي ضرورة استعادة الروح الوحدوية لمواجهة المخططات الأمريكية والبريطانية والروسية، فما أجهضه عبد الناصر زمان يسعى للنيل من منطقتنا ودولنا وشعوبنا وحاضرنا ومستقبلنا. وعلى هذه الشعوب أن تتوحد كما توحدت الشعوب في عهد عبد الناصر للقضاء على المخططات الدولية التي تكاد تقترب منا وتعيد احتلال الدول مرة اخرى، بعد أن نجحت تدريجيا في تفتيت كيانات الشرق الأوسط الى دويلات صغيرة لتسهل لنفسها عملية الانقضاض عليها.
لقد تغيرت السياسة بمصر مرات عديدة، ولقي إرث عبد الناصر الغني بالقوة والإرادة مقاومة شديدة من قبل البعض على مر سنوات كثيرة، ليعيد زعيمها الحالي عبدالفتاح السيسي كتابة تاريخها الحديث بانجازاته العديدة التي اضحت ملموسة للشعب المصري رغم أنه لا يزال ينتظر الكثير، فالرئيس المصري يدرك حجم التحديات الهائلة التي استطاع التغلب على معظمها، وأهمها توفير الطاقة حيث كانت الكهرباء تنقطع باستمرار خاصة في فصل الصيف، كما اقتحم السيسي المناطق العشوائية الخطرة وقرر تنفيذ مشروع قومي للقضاء على العشوائيات، وفي الصحة ومن خلال صندوق تحيا مصر قرر القضاء على مرض «فيروس سي»، ولا شك ان المواطن المصري يعرف جيدا أن قيادته وضعت الوطن على أول طريق الإنجازات وأن القادم أفضل.


إن الإنجازات التي حققها الزعيم المصري عبد الفتاح السيسي لم تتحقق منذ سنوات، لدرجة جعلت بعض المؤسسات المصرية تطالب بتسمية يوم «6 اغسطس» من كل عام «يوم الإنجازات المصرية» بمناسبة افتتاح قناة السويس الجديدة وتقديرًا لإنجاز مشروع القناة في عام بقرار من القيادة وتمويل من الشعب وتنفيذ قواته المسلحة. فكل الإنجازات التي حققها السيسي تجعله ان يكون قائدا للإنجازات لعام 2016، وربما كان أهمها قراره كوزير دفاع مصر في عهد الإخوان أن يتخذ القرار الصعب ليقف الجيش بجوار شعبه ليكون سنده ونصيره في ثورته ضد الإخوان الذين حاولوا سلب مصر من شعبها وماضيها وتاريخها لتكون في عهدة المرشد، ومن هنا جاء الربط بين ثورة يوليو التي قام بها الجيش ووقف الشعب بجانبها يؤازرها بكل قوته وإرادته وثورة 30 يونيو التي فجرها الشعب ليجد جيشه نصيرًا له في ثورته وداعمًا له في مطالبه بإزاحة كل من أراد تحويل مصر الى دولة دينية.