&فالح الحمراني&

تضع القوى المتورطة في النزاع السوري الرهانات الكبرى على النتائج التي ستسفر عنها المواجهات المتواصلة للسيطرة على مدينة حلب. وثمة قراءات تشير إلى انه في حال سقوط حلب بيد قوات النظام فان الحرب السورية ستشهد انعطافا جذريا. فهل ستكون المعركة حول حلب على غرار المعارك التي غيرت مسار الحرب مثل «دجيان بيان فو» في فيتنام و»كورسك» في روسيا في الحرب العالمية الثانية؟

&

موازين القوى

&

ووفقا لتقديرات خبراء روس فان سيطرة قوات النظام على حلب ستتيح الفرصة للأسد تفريغ قوى كبيرة لإنزال الضربات في الجبهات الشمالية الغربية ونحو الحدود التركية، مشيرين إلى الأهمية الاستراتيجية لحلب التي عبرها أحد الطرق الهامة لإمداد المقاتلين يمر من الأراضي التركية. وإذا سيطرت القوات الحكومية على شريط الحدود فسيتعين على المقاتلين اجراء تغيرات لوجستية، وسيكون من الصعوبة القيام بذلك بصورة عاجلة. وحسب المعطيات الروسية فان قوات الأسد تسيطر الآن على ثلثي حلب وتدور المعارك في جنوب المدينة والأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية منها،& فضلا عن ضواحيها حيث ترابط تشكيلات الدولة الإسلامية وفتح الشام، (جبهة النصرة سابقا). وتقدر حجم قوات النظام هناك بـ 13 ألف عسكري مزودة بالمدافع والمدرعات بينما تصب الطائرات حمى النار من الجو على مواقع المقاتلين، وتتولى الطائرات الروسية مراقبة ضواحي المدينة حيث الممرات اللوجستية التي يتم من خلالها نقل امدادات الأسلحة والذخيرة والمواد الغذائية، وفي الوقت نفسه تسيطر التشكيلات الكردية على حدود حلب الشمالية ـ الغربية.

وتشير المعطيات نفسها إلى ان 8 آلاف شخص يشاركون في معارك المقاتلين وعشرات الآليات بما في ذلك حوالي 50 مدفعا. وحسب تقديرات المعطيات نفسها فان قوة المقاتلين تشارف على النفاد. وأفادت هيئة الأركان الروسية ان المقاتلين يخوضون المعارك بشراسة يحشدون في جزء ضيق للغاية قوة كبيرة، فضلا عن انهم يستعملون الانتحاريين، حيث يتوجهون بحافلات مفخخة وآليات ثقيلة نحو مواقع الجيش الحكومي.

وتتابع الدوائر الروسية تطورات الوضع في مدينة حلب باهتمام بالغ، ويرى الخبراء ان المعركة التي تدور حول أكبر مدينة بعد العاصمة دمشق تدخل مرحلتها الحاسمة، فيما لا يسعى المقاتلون إلى كسر الطوق الذي فرضته قوات النظام، ويذهب اؤلئك الخبراء إلى ان فرض السيطرة الكاملة ما زالت مهمة عسيرة بالنسبة للقوات الحكومية.

ويعترف العسكريون الروس بان الوضع في المدينة معقد للغاية على الرغم من دعم سلاح الجو الروسي الكثيف لقوات النظام، حيث تقوم الطائرات يوميا بطلعات قتالية من قاعدة حميم، وان القوات الحكومية تجد من الصعوبة القيام بهجوم كاسح، لانها تكبدت خسائر فادحة ولا تتمكن من دخول المدينة وتعزيز مواقعها هناك.

وأفاد تشاركوف ان هناك سبعة ممرات إنسانية مفتوحة للخروج من المدينة من الجزء الشرقي، وان 372 شخصا خرج من المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الذي حسب قوله « يحاولون ترويع الأهالي الراغبين في مغادرة المدينة ويلجأون إلى رميهم بالرصاص».

ويرى الخبراء العسكريون في موسكو ان فرض الحصار على تشكيلات المقاتلين في حلب لم تكن مفاجئة لأحد. وكما يقول الخبير العسكري الروسي& فيكتور موراخوفسكس فان القوات الحكومية تقدمت تدريجيا واكملت الطوق على المقاتلين.& ويتوقع ان المقاتلين سيدفعون بمزيد من القوة في محاولة لفك الحصار، ويرى ان قوتهم تبقى محدودة. ووفقا لتقديراته فان قوات النظام لن تسرع في الهجوم على المدينة وستتمسك بالمواقع التي انتزعتها وتتحرك ببطء للضغط على المقاتلين تدريجيا من منطقة إلى أخرى. ويعتقد موخاروفسكي بانه «لو استمرت بالتقدم على هذه الوتيرة فانها ستحتاج إلى ما لا يقل عن شهرين لفرض سيطرتها تماما على المدينة». واستدرك»ولكن إذا دخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها على الخط فان أجل العملية سيطول أكثر».

&

&مخاوف أمريكية

&

وافترض الجانب الأمريكي عملية إخراج الأهالي من المدينة التي تنظمها القوات السورية والروسية مقدمة لشن الهجوم على حلب، ولكنه حذر من ان هذا يعد انتهاكا لكافة الاتفاقات المعقودة بين موسكو وواشنطن.

ودعا وزير الخارجية الأمريكية جون كيري روسيا ونظام الأسد إلى التراجع عن شن هجوم على حلب، ووعد بان تتكلف واشنطن بوقف المعارضة عن القيام بمثل هذه العمليات. وقال كيري: «ان الهجوم سيكون بمثابة لعبة قد تؤدي إلى انهيار التعاون الذي تم بلوغه مع موسكو». ولكنه استدرك «من جهة أخرى إذا تم حل المشكلة اليوم ونتوصل إلى فهم تام لما يجري ونعقد اتفاقا للتقدم للأمام، فستنفتح أمامنا فرص فعلية جديدة للتسوية».

ونفى نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريباكوف»طرح قضية الإعداد للهجوم». ونقلت صحيفة «كوميراسانت» عن مصادر عسكرية عدم استبعادها هذا التطور، وأضافت تلك المصادر» لقد تم دفع كل القوى لتنفيذ المهمة الإنسانية، وسيجري اتخاذ القرارات الأخرى بعد اتمامها». بيد ان القلق يساور الغرب من آفاق العملية الإنسانية، لاسيما على خلفية بيان& فيكتور اوزروف رئيس لجنة الأمن في مجلس الفيدرالية ( المجلس الأعلى للبرلمان الروسي) التي كشف فيها عن ان الهجوم على حلب يمكن ان يبدأ بعد الانتهاء من العملية الإنسانية. وسارع قصر الكرملين بنفي بيان البرلماني، ولكن ذلك لم يبدد الشكوك.

&

&ترحيل الأسد ولكن!

&

وجاءت هذه البيانات بعد عدة أيام من اعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شيغو تكليف الرئيس فلاديمير بوتين الجهات المعنية بالشروع بعملية إنسانية واسعة النطاق في حلب. وأرسل شيغو اشارة للولايات المتحدة مفادها ان لدى واشنطن المزيد من الوقت لمد التعاون مع الكرملين في محيط حلب. وأعرب عن الأمل بان «يطلع الشريك الأمريكي موسكو على حيثيات المناطق التي يرابط فيها الجيش الحر وتشكيلات المعارضة المعتدلة».

ويرجح المراقبون ان الممر الذي تتحدث عنه موسكو هو آخر فرصة للقوى الموالية لأمريكا لمغادرة المدينة، فبعد الانتهاء من العملية الإنسانية سيعتبر السلاح الجوي الروسي كافة المقاتلين الباقين في حلب انصارا «لفتح الشام» ( جبهة النصرة سابقا) الذين ينبغي تصفيتهم.

&وتضع موسكو من بين أهداف العملية الإنسانية تسريع حركة المباحثات السلمية التي تجري برعاية الأمم المتحدة في جنيف.

وأعلنت موسكو وواشنطن في وقت سابق عن وجود تقارب في المواقف في مكافحة الإرهاب في سوريا.

وإلى جانب ذلك فان لافروف لم يستبعد لأول مرة امكانية «ترحيل الأسد». وحسب قوله ان واشنطن تواصل الاصرار على تطور الأحداث على هذه الشاكلة بالرغم من ان رحيل الرئيس السوري سيعني انتصار الإرهابيين وزعزعة الاستقرار في البلاد. ويتمحور الموقف الروسي حاليا على امكانية ترحيل الأسد ولكن عقب انتخابات ديمقراطية ينبغي اجرؤها بعد ثبات المصالحة الوطنية في البلاد.