&رضوان السيد

أعلن الثوار المسلحون الذين كسروا الحصار على حلب أنهم بدؤوا، بعد الإعداد والاستعداد، بحرب تحرير حلب بالكامل. ومقابل ذلك، فإنّ إعلام النظام السوري و«حزب الله»، أعلن بدء استرداد المواقع التي خسروها انطلاقاً من جنوب غرب المدينة. ومع أن الروس صمتوا عن تقييم الوضع على الأرض، فإن طيرانهم تابع غاراته على نواحي إدلب وأطراف طريق الكاستيلو الذي استعاده النظام والإيرانيون قبل أسبوعين، ويستخدمونه الآن في إمداد قواتهم غرب حلب وشمالها الغربي.

كان الروس قد أكدوا لكل من تواصل معهم (ومنهم الأميركيون) أنهم مصرون على الحل السياسي، لكنْ لا بد من استعادة حلب بالكامل إلى قبضة النظام لكي يستعاد التوازن. أما الإيرانيون فمضوا قُدُماً للقول بأنهم يغيرون في حلب وجه التاريخ والجغرافيا، ويُسقطون الإمبراطوريات، ولا مكان للتكفيريين والإرهابيين على وجه هذه الأرض! وخلال أسبوع واحد وعندما كانت الوقائع على الأرض تتغير، مضى أردوغان إلى روسيا للتصالح، ورغم اعتزازه بالتقدم في حلب، فإنه لا يطمح لأكثر من منطقة عازلة بعرض عشرين كيلومتراً على طول حدوده مع سوريا. وليس معروفاً ما يريده الأميركيون الآن، لكنهم بعد أن خاضوا مفاوضات طويلة مع الروس من أجل التنسيق ضد «داعش»، فإنهم وسط المشهد الجديد في حلب صاروا يفضّلون التوافق ولو شكلاً بغض النظر عن المضامين الدقيقة. الأميركيون يخشون الاتفاق الروسي التركي، ويخشون الغضب التركي الساطع. ولا يريدون إفادة روسيا ولا تركيا ولا إيران. والطيران الروسي لا يستطيع الحسم، والإيرانيون على الأرض لا يستطيعون الحسم أيضاً: فلماذا يساعدون الروس والإيرانيين الذين يبدون مهتمين فقط بضرب المسلَّحين دون «داعش»، ويرمون لأخذ سوريا موحَّدة أو مقسَّمة بعد أن يقضوا على الثوار (المعتدلين)، بينما تكفّل الأميركيون بالقضاء على «داعش»!

لقد ضرب الثوار استعدادات وتحصينات بناها الإيرانيون خلال ثلاث سنوات. لكنّ الإيرانيين استنتجوا أنه لا بد من المضيّ في خطة الاستيلاء على سوريا مع التمسك ظاهراً بالأسد. وهم يأملون أن يستمر بوتين معهم لستة أشهرٍ أخرى، أي فترة الوقت الضائع في الانتخابات الأميركية. فإن لم يفعل الروسي، فإنهم مستعدون للقبول بـ«سوريا المفيدة»، من دمشق إلى اللاذقية عبر حمص، ولتبقَ الفوضى سائدة في النواحي التي يسيطر عليها «التكفيريون» وحلفاؤهم إلى ما شاء الله.

أما الروس والأميركيون والأتراك، فيرون الآن مصلحةً في إيقاف لإطلاق النار، وممرات إنسانية، والعودة لمحادثات جنيف. ويعرف هؤلاء أنّ الحلَّ السياسي ليس قريباً، إنما لماذا ينبغي الاستمرار في سفك الدماء دونما قدرة لأي طرف على الاستمرار والانتصار؟!

الأميركي ما عاد يريد أو يستطيع التنازل للروس والإيرانيين، خشية أن يخرج من المنطقة (سوريا وتركيا) مدحوراً، كما خرج عام 2010 من العراق وسلّمه لإيران. وهو يخشى إن فعل أن يؤثر ذلك على هيلاري في الانتخابات. أما التركي فعنده قوات «سوريا الديموقراطية» الكردية قرب حدوده، وعنده إيران وميليشياتها قرب حدوده أيضاً. ولذا، وبعد أن بذل جهداً كبيراً في حلب لتعديل المشهد، يفضّل التهدئة، إنما يكون عليه التعهد بالمساعدة في تحرير الرقة وبقية المناطق بالشمال. فيبقى الروسي والإيراني. فالروسي بعد أن كان يعتقد أنه يسيطر على السوري والإيراني، إذا به يشعر أنه يعمل عندهم. فعلى كثافة طيرانه، ما استطاع منع الثوار أو إعاقة تقدمهم إلى الراموسة. وهو لن يكسب شيئاً سواء ساعد في أخذ حلب التي ستؤول للإيرانيين، أو إن انتصرت الجهة الأُخرى، ستعود للأتراك! ولذا فالمنتظر أن يميل الروسي للتهدئة، وأن يتسيَّد في العمل الدبلوماسي والتفاوضي، ويُسهم في إنجاحه، قبل ذوبان الأسد في قبضته، ومصير الإيرانيين إلى «تغيير وجه التاريخ والجغرافيا»! إنهم من الضيق بحيث يقتلون العُزَّل في كل مكان، ويتوهمون أن القتل هو معنى الانتصار!

ما يحصل في حلب منذ سنوات هو حربٌ وليست معركة. حربٌ ستطول، وإن كان لكل حرب نهاية. والذي حصل معركة صعبة ربحت فيها المعارضة، فأثّرت على الأفكار والتصرفات. لكن الحرب مستمرة، ومعاناة الشعب السوري تتعاظم إلى ما لا نهاية.