&سميح صعب
&

من همدان الايرانية اختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحداث الانقلاب الاستراتيجي في المنطقة. لم يترك له الاميركيون الذين يطوقون روسيا بالانظمة الصاروخية في أوروبا الشرقية وجمهوريات البلطيق واوكرانيا، سوى الاندفاع في الشرق الاوسط ليحدث توازناً عبر علاقة استراتيجية مع ايران من شأنها تصحيح الخلل الذي أحدثته اميركا وتركيا ودول الخليج العربية عبر ثغرة الراموسة والزج بـ"جيش الفتح" في معركة حلب التي هي معركة سوريا، وخسارة سوريا، تعني خسارة استراتيجية لروسيا.


ومع عدم ظهور ملامح أي حل سياسي حتى الان واستمرار الرهانات الاميركية والتركية والخليجية على ان الحرب في سوريا لا تنتهي إلا بتغيير جيوسياسي، يحرم روسيا وايران اطلالة على شرق المتوسط ، لا تملك روسيا وايران سوى الانخراط أكثر في معادلة تغيير الواقع الميداني على الارض السورية لمصلحتهما. وهذا ما تدركه الولايات المتحدة جيداً، ولذلك لوح روبرت مالي مستشار الرئيس باراك أوباما باطالة أمد الحرب السورية الى حين اسقاط النظام السوري. وهذا ما تفعله أميركا منذ خمسة أعوام.
والدور الروسي والايراني المقبول أميركياً في سوريا، هو تسهيل تحقيق التغيير السياسي من طريق اقناع الرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي، الامر الذي لا يمكن ان تقبله لا روسيا ولا ايران. المناورات الاميركية في سوريا لم تترك لموسكو وطهران سوى الذهاب نحو علاقة استراتيجية تؤسس لمشهد جيوسياسي جديد في الشرق الاوسط. فالشركة الاستراتجية الروسية - الايرانية لن تنحصر مفاعيلها في سوريا وحدها، إذ أن الخيار الطبيعي للعراق، على رغم الدعم الاميركي الذي تتلقاه بغداد، هو أن يكون أقرب الى طهران وموسكو لينشأ ممر من دمشق الى طهران عبر العراق.
وإذا ما تسنى اقامة ترابط بين دمشق وبغداد وطهران بدعم روسي، فإن من شأن ذلك قلب المعادلات العسكرية - السياسية القائمة حالياً أو على الأقل وقف اندفاع اميركا وتركيا ودول الخليج منذ خمسة اعوام لنقل سوريا الى معسكرها وتوجيه ضربة قاصمة الى ايران وروسيا وارساء معادلات جديدة في المنطقة، ولو بالاعتماد على الجماعات الجهادية.
ومن هنا يصير مفهوماً لماذا ترفض واشنطن العرض الروسي لتوجيه ضربات مشتركة الى "جبهة النصرة" التي لا تزال تمثل حاجة اميركية في مواجهة الجيش السوري وحلفائه.
ان المعركة الاميركية المفتوحة مع روسيا، تواجه اليوم بوقائع جديدة على مستوى العلاقة الروسية - الايرانية، وعلى مستوى الميدان السوري الذي يبقى القول الفصل في تقرير مستقبل سوريا والمنطقة.