عبدالله بن بخيت

في الليالي الباردة.. أجلس في مكتبي ليس للعمل أو القراءة، أمنح نفسي جرعة مركزة من المتعة، قبل أن أفتح اليوتيوب اعتدت أن أقول تعويذتي المعتادة: (الله يرضى على من صنع اليوتيوب والدعاء موصول لكل من ساهم في بناء الانترنت).. أستطيع أن أكون في كل الأزمنة التي عشتها في ماضيّ الشخصي وعاشتها البشرية منذ فجر التاريخ.. في كل مرة أستمتع بأغنية جميلة أضعها في قائمة المشاهدة لاحقا.. أملك قوائمي الخاصة، أغاني، أفلاماً، ووثائق.. أحيانا أترك اليوتيوب يقودني باقتراحاته في القائمة الجانبية.. يتطور مزاجي مع تطور المواد المقترحة.. في البداية أكون أسير عدد من الأغاني المتباعدة، كأن أستمع لعود يخرشني به الفنان الراحل حمد الطيار، ثم أتفرج على بوسي تردد بعذوبة (أنا جاية برجليه)، ثم تأخذني الاقتراحات في أمور لا يمكن أن تصنف ضمن المتعة.. يمضي بي الليل قليلا قليلا متنقلا من الأغاني والطرب، إلى عالم الافتراس الحيواني إلى أن وصلت يوما إلى البشاعة.

في إحدى الليالي تصاعدت اهتماماتي بسرعة.. بدأت ليلتي بالسماع للأغاني، ثم انتقلت إلى مشاهدة قصة الحرب العالمية الثانية، ثم عالم الافتراس، وأخيرا انتهت سهرتي أن أنفقت حوالي ثلاث ساعات متواصلة في الإنصات إلى مقابلات مع عدد من المحكومين بالإعدام. تجولت في زنازينهم.. أستمع إلى وجهات نظرهم في الدنيا التي سوف يغادرونها.. بعضهم سيبقى في الزنزانة سنوات، وبعضهم لم يبق أمامه سوى أسابيع ليتلقى الجرعة الثلاثية المهلكة.

لم أصنع هذه النقلة العنيفة.. كما قلت تكنيك اليوتيوب في عرض المقترحات قاد تنقلاتي.. ظهر في القائمة فيلم بعنوان (حوار مع رجل في قائمة الإعدام).. تركت كل شيء ودخلت مع الباحث الزنزانة.

أخذ المحكوم يقص حكاية وصوله إلى هذه الزنزانة.. كنت أسير في ضاحية نائية.. احتجت تلفونا.. ( قبل انتشار ظاهرة الجوال).. نقرت على أحد الأبواب، فتحت لي طفلة في التاسعة من عمرها، أبلغتها برغبتي، ذهبت وعادت بأمها، رحبت الأم وسمحت لي أن أدخل واستخدم التلفون.. إلى أن يقول: راقت لي الأم.. أمسكت بها وطرحتها أرضا واغتصبتها ثم قتلتها.. وأنا في طريقي خارجا تذكرت أن الطفلة شاهدتني، عدت إليها وخنقتها حتى الموت.

أفزعني حجم الاعتداء.. عدد من الجرائم المتداخلة، كل واحدة منها تخلو من الشرف، والرحمة، وكرامة الضمير.. الشيء الوحيد الذي أعجبني في الرجل عندما سأله الباحث: هل تستحق الرحمة؟ قال بثقة صقلتها البشاعة: لا.