لأن "لبنان الحياد قوّة له وللعرب" هل يضع عون حجر الأساس له؟

اميل خوري

بات واضحاً لكثير من المراقبين المطلعين والمتابعين أن لبنان يعيش منذ مدة في ظل رعاية دولية أمّنت له الاستقرار وسط منطقة مشتعلة، وهذه الرعاية قد تضعه على طريق الحياد لتقيه شر صراعات المحاور والتدخل في شؤونه الداخلية، وان ذلك لم يكن متيسراً إلّا بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، الذي يضع حجر الأساس للبنان الجديد هذا.

أمّا لماذا عون رئيساً من دون سواه، فلأن تحالفه مع "حزب الله" وعدم انفكاك هذا التحالف جعله يقف ضد أي مرشّح آخر للرئاسة، وأن يتفكّك هذا التحالف إذا لم ينتخب الحزب عون، وهو ما فرضه رئيساً يصلح لمواجهة المرحلة المقبلة الدقيقة التي سيمر بها لبنان.


لقد بدأت التجربة الأولى مع النائب سليمان فرنجية ليكون هو الرئيس للمرحلة المطلوبة، لكن "حزب الله" لم يعلن تأييده له لا لشيء سوى أن يظل وفياً لتحالفه مع العماد عون وردّ الجميل له على ما قدم من تغطية مسيحية لكثير من تصرفات الحزب حتى على حساب شعبيته أحياناً في الوسط المسيحي. وعندما لا يؤيّد "حزب الله" ترشّح حليفه الآخر سليمان فرنجية للرئاسة، فلا يعود في الامكان جعله يؤيّد أي مرشّح آخر مستقل أو غير مستقل ومن خارج نادي الأقطاب الموارنة الأربعة. لذلك كان لا بدّ من التحوّل نحو العماد عون من دون سواه، وأن تدور كرة الانتخابات الرئاسيّة على نفسها مدّة سنتين ونصف سنة لتعود الى مربع عون الذي يستطيع وضع حجر الأساس للبنان الجديد، لبنان الحياد، لبنان "سويسرا الشرق" بتأييد عربي واقليمي ودولي. فكما أصبح "حزب الله" مضطراً إلى إخراج لبنان من أزمة الانتخابات الرئاسيّة بانتخاب العماد عون بعدما حظي بتأييد القوى السياسية المسيحية والسنية البارزة، فإنّه لم يعد في استطاعة الحزب الاستمرار في إحداث الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف لئلّا يصبح مكشوفاً أمام كل اللبنانيّين وأمام الخارج، لا بل أنه قد يعرّض تحالفه مع العماد عون للانفراط بعدما سمع قولاً له: "من يتركني أتركه". فكان لا بدّ للحزب من أن يحسم الأمر وينتخب العماد عون رئيساً للجمهورية.


ولكن السؤال الذي يبقى مطروحاً: أي موقف سيكون لـ"حزب الله" من سياسة الرئيس عون ومن معه إذا قرّر بدعم عربي ودولي تحييد لبنان ليكون "سويسرا الشرق" فعلاً لا قولاً، هل يجاريه في هذه السياسة أم يعارضه؟
الواقع أن الحزب لا يعود له لمصلحة في معارضة سياسة الرئيس عون هذه عندما تكون تحظى بتأييد داخلي وخارجي واسع، حتى إيران وإن لم تكن ضمناً مع هذه السياسة، فإنها لا تستطيع وحدها تعطيلها، فيجد "حزب الله" نفسه عندئذ حيال سياسة اقامة لبنان الجديد محرجاً كما كان محرجاً في الانتخابات الرئاسية، فإمّا أن يفك تحالفه مع الرئيس عون فيصبح وحيداً، وإمّا أن يسير بها ويعود إلى لبنانيته الصادقة والصافية والتي تجعله حزباً من الأحزاب في لبنان، يناضل سياسياً لا عسكرياً ولا يظل مميزاً عنها بسلاحه ومخلاً بالتوازن الداخلي الحساس والدقيق سياسياً ومذهبياً.


لذلك فإن كثيراً من المراقبين والمتابعين يتوقعون أن يكون العام الجديد عام بداية إقامة لبنان الجديد على أسس ثابتة وراسخة تحصن وحدته الوطنية وتحمي سلمه الأهلي، وتجعل استقراره السياسي والأمني والاقتصادي ثابتاً ودائماً، ولا تعود آفة الطائفية في لبنان تنخر كل مفاصله ولا تأثير لها على مقومات الحكم في ظل الحياد، بل تصبح الكفاية والجدارة والنزاهة من شروط تبوؤ أي منصب في دولة لبنان الجديد، وتتحقق دعوة أكثر من أمير سعودي ومسؤول إلى أن يصبح لبنان ملتقى وفاق بين العرب لا ساحة خلاف بينهم. وقد سبق هذه الدعوة مقال للأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في "النهار" قبل سنوات تحت عنوان: "حياد لبنان قوة له وللعرب" جاء فيه: "إن تحييد لبنان عن تناقضات الوضع العربي الراهن وإبعاده عن التجاذبات والاختراقات الاقليمية التي تهدد وحدته وسلامه الأهلي ولكن ليس على اساس انتمائه العربي، هذا الحياد يعصم لبنان من التداعيات الخطيرة للصراعات المحتدمة في المنطقة وعليها".


ويقول السفير سمير حبيقة في مقال له في مجلة "الديبلوماسية" عن العهد الجديد وآفاقه المستقبلية: "ها هو ذا لبنان يقترب شيئاً فشيئاً من طريقه المرسوم ويحاول ان ينتهي الى ما انتهت اليه مثيلاته من الدول الصغيرة المحاطة بالدول الكبيرة، والتي تتجاذبها المحاور الاقليمية وتتنازعها المصالح الدولية، فتتخذ من الابتعاد عن المحاور سبيلاً لخلاصها فيكون الحياد لاستقلالها درعاً ولقرارها الحر سنداً ولمصالحها الحيوية حافظاً ونصيراً".
هل يكون العماد عون الرئيس التوافقي هو رئيس لبنان الحياد والوفاق فيجمع الأضداد ويقرّب ما بين متباعدين ويوحّد بين مختلفين في إطار مصالحة وطنية شاملة وحقيقية أساسها الحياد؟