جيفري كمب

لعل أكثر موضوع يناقش في واشنطن خلال هذه الأيام القليلة التي تفصلنا عن تنصيب الرئيس دونالد ترامب في العشرين من يناير الجاري، هو استعماله المستمر لموقع «توتير»، وتأثير ذلك في الجمهور الأميركي. فهل سيواصل هذه الممارسة عندما يصل إلى البيت الأبيض، أم سيعتمد على وسيلة ذات طابع رسمي أكثر، لإيصال آرائه إلى الجمهور والعالم؟

ومما لا شك فيه أن ترامب استعمل تغريدات تويتر بسرعة كبيرة، خلال الحملة الانتخابية المثيرة للانقسام، للرد على الاتهامات الكثيرة التي كانت توجه إليه، حيث كان ينشر في كثير من الأحيان تغريدات خلال الساعات الأولى من اليوم، ولم يكن يسمح بمرور أي تصريحات أو تعليقات سلبية بدون رد عليها من خلال التغريد في تويتر. وقد دأب على انتهاج هذا الأسلوب منذ أن فاز بالانتخابات الرئاسية في الثامن من نوفمبر 2016.

تغريدات ترامب تعلّق على كل المواضيع، من كلفة طائرة بوينج الرئاسية «إير فورس وان»، ومقاتلة «إف 35»، إلى التقارير التي تفيد بأن شركتي «فورد» و«جنرال موترز» الأميركيتين لصنع السيارات تدرسان إمكانية فتح مصنعي إنتاج في المكسيك. 

هذه التغريدات كان لديها جميعها تأثير فوري في أسعار أسهم الشركات المعنية، وإنْ كانت الأسعار سرعان ما تعود إلى مستواها السابق حالما تقوم الشركات بشرح سياساتها بشكل كامل. وهذه هي المشكلة. ذلك أن التغريدة على تويتر لا تتعدى 140 حرفاً، وهذا ليس طويلاً بما يكفي لقول أي شيء مهم وذي معنى، وبالتالي فإن ذلك كثيراً ما يثير أسئلة أكثر مما يجيب عنها، ويؤدي إلى إرسال مزيد من التغريدات وتبادلٍ غير مرضٍ للآراء لا يمكن إنهاؤه بدون شرح كامل للجوانب المختلفة التي ينطوي عليها موضوع النقاش.

الأشخاص الذين يؤيدون استعمال ترامب للتغريدات على تويتر يحاججون بأنها طريقة فعالة للغاية ليعبّر بها عن أفكاره وتعليقاته ويتقاسمها بشكل مباشر مع جمهور واسع، وتجاوز قنوات الاتصال العادية عبر المؤتمرات الإعلامية والبيانات الصحفية. والواقع أن معظم المنتقدين لا يجدون غضاضة في استعمال ترامب لتويتر، لكنهم يجدون أنه من الصعب قبول نبرة وطبيعة تغريدات ترامب التي كثيراً ما تكون ردوداً انفعالية وغاضبة على ما يعتبرها انتقادات له من قبل الخصوم السياسيين أو الصحافة أو المشاهير.

ولعل أحدث مثال على الاستعمال المكثف من قبل الرئيس المنتخب لتويتر، جاء خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي عقب حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب» السينمائية والتلفزيونية، الذي أقيم في هوليود وحضرته كوكبة واسعة من نجوم السينما والتلفزيون. 
فيوم الأحد الثامن من يناير مُنحت «جائزة سيسيل بي. ديميل» للممثلة الأميركية الشهيرة «ميريل ستريب»، عن كل أعمالها ومساهمتها الفنية في عالم الترفيه. وخلال الكلمة التي ألقتها لدى تسلمها الجائزة، عادت ستريب للتعليق بنبرة منتقدة وجد مؤثرة على حادث يعود إلى عام 2015 عندما صُوِّر دونالد ترامب وهو يسخر من مراسل لإحدى الصحف يعاني إعاقة حركية. 

وكانت الحركات المقلدة الساخرة التي قام بها ترامب آنذاك قد قوبلت بانتقادات شديدة، لكن تعليق «ستريب» كان لاذعاً جداً، وإنْ تحاشت الإشارة إلى ترامب بالاسم. قالت النجمة الأميركية: «لقد أحزنني ذلك كثيراً عندما رأيته، وما زالت إلى اليوم لا أستطيع محو تلك الصورة من ذهني، لأنها لم تكن صورة من فيلم، بل من الحياة الواقعية. 

والحال أن هذا الميل إلى الإذلال عندما يصدر عن شخصية عامة وتحظى بالنفوذ، فإنه ينتقل تدريجياً إلى حيوات الجميع لأنه يمنح أشخاصاً آخرين نوعاً من الترخيص للقيام بالشيء نفسه».

وفي غضون ساعات قليلة، كان ترامب يرد على ما جرى بتغريدات على تويتر، إذ كتب يقول: «ميريل ستريب، إحدى أكثر الممثلات في هوليود اللاتي يحظين بتقدير أكبر مما يستحققنه في الواقع، لا تعرفني، ولكنها هاجمتني الليلة الماضية في حفل غولدن غلوب». ثم أضاف: «إنها من أتباع هيلاري، وقد خسرت خسارة كبيرة».

ما يقلق كثيراً المراقبين هو حساسية ترامب المفرطة ونزوعه المستمر إلى الرد على الانتقادات، وهناك تخوف حقيقي من ألا يتغير سلوكه هذا عندما يصل إلى البيت الأبيض. والحال أنه كرئيس سيكون هدفاً لهجمات وانتقادات يومية من خصوم داخليين وخارجيين. 

وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى إدارة تعاني خللاً كبيراً إذا اتضح أن القائد الأعلى للقوات المسلحة يخشى الانتقاد لدرجة أنه يتعين عليه دائماً الرد على كل منتقد. غير أنه يؤمل أن يكون صهره، جارد كوشنر، الذي سيشغل منصب مستشار رئيسي في البيت الأبيض، قادراً على الحد من التغريدات والاقتصار على تلك التي تقدم إضافة وتعطي معنى لأجندة ترامب، بدلاً من أن تمثل ذخيرة لثرثرة المعلّقين وكتاب الأعمدة.