علي سعد الموسى

قد لا يعلم كثر، بل نسبة طاغية من هذا العالم، أن الرئيس الأميركي يمتلك صلاحية مطلقة لإلغاء ونقض ما شاء واختار من الأحكام القضائية النهائية الصادرة عن أي محكمة على الأراضي الأميركية، بصرف النظر عن درجة المحكمة أو نوعية الجريمة. وهي صلاحية بالغة الغرابة في مؤسسة ديمقراطية، إذ إنها الاستثناء الوحيد من بين كل الديمقراطيات الغربية الحديثة، وهي أيضا أقرب لبوابة الأعراف والتقاليد منها إلى المكتوب الدستوري، أو القانوني المدون. وفي العادة أو في العرف الأميركي وبروتوكولاته الرئاسية، لا يلجأ الرئيس الأميركي إلى استخدام هذا الحق، بالعفو الخالص، إلا في الأسبوع الأخير من فترته الرئاسية، رغم أنه يستطيع توقيعه منذ اليوم الأول. يمتلك الصلاحية في العفو وإطلاق السجين مساء نفس اليوم الذي صدر فيه حكم المحكمة، ولكنه لا يلجأ إليه إلا مع ساعات الرحيل ومغادرة البيت الأبيض، كي يتحاشى ردود الفعل الواسعة وهو ما زال على هرم المسؤولية. تم بناء هذا التقليد التاريخي في فكرة العفو لأسباب كثيرة، كان من أهمها رفع "العوار" عن بعض أحكام هيئات المحلفين التي تصدر بالإدانة للشخص، على عكس المعلومات الأمنية والمخابراتية، وأيضا لترسيخ قيم العفو والصفح في الثقافة الأميركية، وفي العادة لا يلجأ الرئيس الأميركي إلى استخدام هذا الحق مع مجرمين في قصص لها علاقة بحياة آخرين أو جرائم تخص الأمن القومي الأميركي. ومع هذا فعلها باراك أوباما في أسبوعه الأخير. أولاً، استخدم هذا الحق في العفو الرئاسي بصورة واسعة وغير مسبوقة، وحتى الأمس فقد كسر ما استخدمه أقل تسعة رؤساء سابقين مجتمعين، وأيضا رقم أعلى أربعة منهم مجتمعين أيضا، وإلى الحد الذي تعدت فيه هذه المراسيم قضية نقاش كبرى بعد أن كانت مجرد أخبار فيما سبق. ثانياً، فعلها بالعفو المطلق عن مجرم أمن قومي بإطلاقه تشيلسي ما نينغ، وهو جندي سابق في أفغانستان "تحول لاحقا لامرأة"، وهو المتهم في تسريب ما لا يقل عن ألفي وثيقة إلى "ويكيليكس"، بعضها وثائق بالغة الخطورة في أسرار الجيش الأميركي. تم الحكم (عليه/ عليها) بالسجن لست وثلاثين سنة، مضى منها ست سنوات، وسيكون حرا منتصف مايو المقبل، وأوباما هو من اختار هذا التوقيت. وبالطبع، كان هذا العفو أكثرها إثارة للجدل، وعندما سئل عنه دونالد ترمب، أجاب: ظاهريا أنا ضد مثل هذا العفو، ولكنني لا أعرف أسرار الأوراق بين يدي أوباما عندما أصدر القرار، وليس من التقاليد أن ألغيه أو أعترض عليه.
الخلاصة: نعم للرئيس الأميركي صلاحية مطلقة فوق السلطتين التشريعية والقضائية في قلب أعتى مؤسسة ديمقراطية.