شملان يوسف العيسى

تناولت وسائل التواصل الاجتماعي شريطًا قديمًا لأحد الباحثين يحذر فيه أبناء وطنه من خطورة الاستمرار في سياسة الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة، وأكد أنه سيأتي اليوم الذي سيجد فيه المواطنون أنفسهم أقلية لا يتعرف عليهم أحد مثل سكان أستراليا الأصليين.


لكن واقع الحال في الخليج يشير إلىأن الناس بدأت في التفكير في التقليل من الاعتماد على العمالة الوافدة بعد انخفاض أسعار النفط واتخاذ سياسات تقشفية في دول الخليج كلها... هذه الإشكالية توضحت أكثر في الكويت، حيث نشرت إحصائية جديدة للتركيبة السكانية تبين أن نسبة المواطنين ضمن المجموع الكلي للسكان لا تتعدى 25 في المائة من مجموع السكان... نواب مجلس الأمة طلبوا جلسة خاصة لمناقشة هذه القضية دون المساس بالحقوق الإنسانية للوافدين.
النائب الدكتور عبد الكريم الكندري صرح بأنه لن «نسمح بأن نكون أقلية في بلدنا، والمسألة ليست خطاب كراهية أو عنصرية إنما إجراء تنظيمي»... أما النائب محمد الدلال فقد أكد أن التركيبة السكانية أمر خطير، ولها تأثيراتها في الخدمات العامة للدولة، مبينًا أن هناك مناطق لا يستطيع الكويتيون دخولها لكثافة الوافدين فيها.
مخطئ من يظن أن قضية التركيبة السكانية تخص الكويت فقط، واقع الحال يؤكد أن معظم دول الخليج ما عدا السعودية تعتمد اعتمادًا كليًا على العمالة الوافدة، وأنه لا يمكن الاستغناء عن هذه العمالة ما دام مفهوم الدولة الريعية منتشرًا في الخليج.. العمالة الوافدة تشكل الأغلبية السكانية في معظم دول الخليج وتهيمن هيمنة مطلقة على القطاعات غير الحكومية في سوق العمل في القطاع الخاص.
السؤال الذي علينا طرحه هو هل تستطيع دول الخليج العربية الاستغناء عن العمالة الفائضة لديها؟
الأسباب التي دفعت دول الخليج لجلب العمالة لم تتغير جذريًا، وهي (1) التوسع الاقتصادي السريع بعد اكتشاف النفط. (2) صغر أعداد المواطنين في معظم هذه الدول. (3) تدني المستوى التعليمي لشعوب المنطقة. (4) عدم مشاركة المرأة في سوق العمل بأعداد كافية. (5) القضية الحضارية، وهي رفض المواطنين في دول الخليج قبول الأعمال اليدوية والفنية والميكانيكية والكهربائية وغيرها مما دفع بدول الخليج لفتح الباب للهجرات العمالية من الدول العربية والدول الآسيوية والأفريقية والأوروبية والأميركية. اليوم الإحصائيات الرسمية تدل دلالة قاطعة على أن المواطنين تضاعفت أعدادهم بسبب الزيادة الطبيعية (الولادة الطبيعية) والهجرة، لكن حالة الاعتماد على العمالة الأجنبية مستمرة بسبب رخص العمالة الأجنبية وعدم توفر الكفاءات الوطنية القادرة على حل مكان الوافدين لبلدان الخليج.
دول الخليج تحتاج إلى إعادة النظر في مجال التعليم ليواكب التطور الحديث، ورغم مرور قرن على التعليم النظامي في الكويت مثلاً، إلا أننا نفتقر للتخصصات العلمية بين خريجي الجامعات، خصوصًا التخصصات الخاصة بعلم الأحياء والرياضيات والعلوم والفيزياء، بينما لدينا فائض من خريجي الآداب والشريعة والعلوم الاجتماعية.
يعرف المختصون بأن تحديث التعليم في الخليج يتطلب تغييرات جذرية في المجتمع، بحيث يقبل المجتمع مفاهيم الرؤى الحديثة التي من أهمها الحرية العلمية وفرض أسلوب الخلق والإبداع والتطور بدلاً من الحفظ والتلقين.
هل يمكن الاستغناء عن العمالة الأجنبية في الخليج؟ بالتأكيد لا لاعتبارات كثيرة أهمها الاعتبار الاقتصادي.. حيث يشكل الأجانب العمود الفقري لاقتصادات الدول الخليجية، ففي الكويت مثلاً رفض أصحاب العقار أي قرارات تسيء للعمالة... وقالوها بصراحة من: سيسكن في العمارات والمدن التي شيدناها..
سياسيًا دول الخليج لا تتحمل الضغوط السياسية التي ستأتيها من الدول العربية والآسيوية وغيرها التي تستفيد من عمل مواطنيها في الكويت... دول الخليج قضية العمالة في علاقتها مع الدول الأخرى اجتماعيًا لا يمكن للعائلات الخليجية الاستغناء عن خدمهم وسواقيهم وطباخيهم ومزارعيهم بسهولة، خصوصًا أن منازل أهل الخليج كبيرة وواسعة لا يمكن لربة البيت العناية بها وحدها.
التعليم في الخليج لا يزال ضعيفًا مخرجات التعليم التطبيقي والجامعي في الخليج دون المستوى المطلوب فإن اعتمادنا على العمالة الوافدة سيستمر لفترة طويلة.
وأخيرًا ما دامت دول الخليج لم تعالج قضية المتاجرين بالبشر أو ما نطلق عليهم تجار الإقامات من موظفي وزارات الدولة الذين يتقاضون أموالاً كثيرة من البسطاء من البشر لإدخالهم بلدان الخليج، وبعدها تشن الأجهزة الأمنية حملة لتسفيرهم دون الأخذ في الاعتبار معاناتهم الإنسانية.
إعادة النظر بالتركيبة السكانية في الخليج ليس بالأمر السهل لأنها تتطلب مراجعة لأسلوب حياتنا في دول الرفاه النفطية.