خيرالله خيرالله 

تتكرّس عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، أو عودة الاتحاد الافريقي الى المغرب، بحضور الملك محمّد السادس قمة اديس ابابا. لا تكمن اهمّية المشاركة المغربية في ان المغرب موجود في القمّة للمرّة الاولى منذ العام 1984 فحسب، بل لانّ لدى المغرب ما يقدّمه أيضا لدول الجوار المباشر وللدول الافريقية البعيدة عنه او القريبة منه. لديه ما يقدّمه بعيدا عن أي نوع من العقد التي تتحكّم ببعض من هذا الجوار او بالدول البعيدة جغرافيا او تلك القريبة. على رأس هذه العقد، عقدة المغرب نفسه، الذي يمثّل قصة نجاح على كلّ المستويات، خصوصا في مجال التنمية والإصلاحات السياسية والاقتصادية والحرب على الإرهاب والفقر وكلّ ما له علاقة بالجهل والتطرّف.

منذ اعتلائه العرش في صيف العام 1999، ربط محمّد السادس بين الفقر من جهة والتطرّف والارهاب من جهة أخرى. لذلك ركّز على ضرورة خوض الحرب على الفقر بغية قطع الطريق على الإرهاب والتطرف بدل الاستثمار فيهما كما تفعل دول أخرى تعمل كلّ شيء من اجل تشجيع الإرهاب، متى كان خارج أراضيها. المهمّ، بالنسبة الى هذه الدول، ان يكون هذا الإرهاب سببا لالحاق الضرر بالآخر، حتّى لو كان هذا الآخر الذي اسمه المملكة المغربية جارا مباشرا يمكن الاستفادة من تجربته. هناك من يستثمر في الإرهاب وفي متابعة حرب الاستنزاف التي يتعرّض لها المغرب المدافع عن وحدته الترابية وعن صحرائه المستعادة في العام 1975 من المستعمر الاسباني.

تأتي العودة المغربية الى الاتحاد الافريقي في وقت تمرّ فيه معظم دول القارة السمراء في ظروف صعبة، خصوصا تلك الدول المنتجة للنفط والغاز. تحتاج افريقيا الى صوت عاقل يدعو اهتمام كلّ دولة افريقية بشؤونها الداخلية والعمل على تنمية مواردها واستغلال فرص التعاون مع جيرانها من اجل مستقبل افضل بدل السقوط في لعبة التجاذبات على الصعيدين الدولي والإقليمي.

لا افق سياسيا لمن يقبل الدخول في لعبة التجاذبات التي تعني اوّل ما تعني توظيف موارد الدولة في خدمة مشاريع خاسرة سلفا من نوع الاستثمار في حرب استنزاف تستهدف المغرب في ارض معروف تماما انها ارضه هي «الصحراء المغربية». من يستثمر في حرب الاستنزاف هذه، انّما يحرم شعبه من أموال يفترض توظيفها في التنمية والحرب على الفقر والبؤس بدل تشجيع انتشارهما مع ما يعنيه ذلك من تشجيع للارهاب في منطقة الساحل الافريقي.

لا شيء ينجح مثل النجاح. لذلك، جاءت عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي انطلاقا من قاعدة ثابتة بناها محمّد السادس لبنة لبنة. لم تأت هذه العودة من فراغ. على العكس من ذلك، هيأ محمّد السادس لهذه العودة عن طريق جولات عدة شملت دولا مختلفة في افريقيا. من السنغال والغابون وروندا ونيجيريا وتنزانيا واثيوبيا وكينيا ومدغشقر... الى دولة جنوب السودان الفتيّة التي تحتاج الى كثير من الرعاية كي تبقى دولة موحدة. كان مهمّا ان تتشكل أكثرية واسعة تدعم الوجود المغربي في الاتحاد الافريقي. كان مهمّا اكثر تأكيد الدور المحوري للمغرب افريقيا وتكريس علاقات من نوع جديد بين الجانبين تؤدي الى قيام مشاريع مشتركة من بينها مشروع استغلال الفوسفات المغربي لانتاج اسمدة تساهم في تطوير الزراعة الافريقية.

في كلّ زيارة قام بها العاهل المغربي، كانت هناك مشاريع تنموية وأخرى مرتبطة بالتبادل التجاري وبناء مستشفيات ومستوصفات ومدارس ومصانع. هذا ما تحتاج اليه افريقيا حيث نقص كبير في المدارس والمراكز الصحيّة. اكثر من ذلك، بدأ المغرب يدرّب أئمة يتخرجون من معاهده ويعملون على نشر الوسطية والإسلام الصحيح. انها مساهمة في الحرب على الإرهاب والتطرّف وخدمة الدين الإسلامي وتقديم صورة صحيحة عنه.

ليس سرّا ان هناك قوى عملت وما زالت تعمل من اجل عرقلة العودة المغربية الى الاتحاد الافريقي، علما انّ المغرب يعتبر إضافة الى هذه المؤسسة الافريقية المهمّة التي يفترض ان تلعب دورا في دعم الاستقرار في القارة.

لم يعد في استطاعة أي طرف منع المغرب من العودة الى حيث يجب ان يكون. سجّل المغرب اعتراضه في اواخر العام 1984 عندما انسحب من منظمة الوحدة الافريقية التي ارتكبت جريمة قبول عضوية ما يسمّى «الجمهورية الصحراوية» عضوا في المنظمة. اتخذ ذلك القرار تحت تأثير دول معيّنة امتلكت وقتها إمكانات مادية واتصالات مكنتها من السعي الى لعب دور المستعمر الجديد تحت شعار «حقّ تقرير المصير للشعوب». كان الهدف من هذه الخطوة استغلال وضع معيّن، خصوصا ظروف الحرب الباردة، لسلب الصحراء من المغرب وتحويلها الى شبه دولة تدور في الفلك الجزائري. عالج المغرب الموضوع بالطريقة المناسبة. كان يدرك تماما انّ الهدف من ادخال دولة وهمية، هي «الجمهورية الصحراوية»، منظمة الوحدة الافريقية، التي صارت لاحقا الاتحاد الافريقي، إيجاد منفذ للجزائر على المحيط الأطلسي. لم تقبل الجزائر في يوم من الايّام انّها دولة مطلة فقط على البحر المتوسط، ارادت منفذا على الأطلسي. كان المغرب مستعدا دائما لتوفيره شرط احترام سيادته الكاملة على أراضيه. وبين هذه الأراضي الصحراء المغربية طبعا.

يعود المغرب الى الاتحاد الافريقي في ظلّ تغيير في موازين القوى على صعيد القارة ونتيجة عمل دؤوب يصب في خدمة القارة. بين 1984 و 2017 لم يتغيّر الموقف المغربي من الصحراء. ما تغيّر هو ان المغرب يتقدّم، فيما خصومه يتراجعون. هذا كلّ ما في الامر. استطاع محمّد السادس بناء قاعدة افريقية للمغرب. حصل ذلك استنادا الى ذهنية مختلفة بعيدا عن استغلال أموال النفط والغاز من اجل لعب دور استعماري من نوع جديد. تقدّم المغرب على كلّ الصعد من دون نفط او غاز. كان الانسان ثروة المغرب في كلّ وقت. تراجع أولئك الذين نصبوا العداء للمغرب، من دون سبب، متكلين على النفط والغاز وليس على الانسان. استطاع المغرب تجاوز «الربيع العربي» بسلام وامان. كان «الربيع العربي» فرصة للخروج بدستور جديد وخوض تجربتين انتخابيتين في ظلّ هذا الدستور. صحيح ان تشكيل الحكومة المغربية الجديدة تأخّر، لكن الصحيح أيضا ان هذا التأخير سيدفع الى مزيد من الإصلاحات في حال كانت الحياة السياسية والحزبية تتطلّب ذلك.

يبقى ان اهمّ ما في العودة المغربية الى الاتحاد الافريقي، وهي عودة يكرسها وجود الملك محمّد السادس في قمّة اديس ابابا تلك العقلية الجديدة التي بدأت تسود في افريقيا. تقوم هذه العقلية على الابتعاد عن الشعارات الفارغة والتركيز على كلّ ما من شأنه خدمة المجتمعات الافريقية. أخيرا تصالحت افريقيا مع نفسها. بقيت الشعارات شعارات. لم تطعم هذه الشعارات الشعوب الجائعة ولم توفّر لها لا مدارس ولا مستشفيات. من لا يزال يؤمن بأن هناك مكانا لاشياء مثل «الجمهورية الصحراوية» انّما يعيش في الماضي لا اكثر ولا اقلّ. المستقبل في مكان آخر. على كلّ من يريد التأكّد من ذلك زيارة المغرب...