عوني صادق
أخبار محاولات و«مبادرات تسوية» القضية الفلسطينية كثيرة، بالرغم من تراجع الاهتمام الدولي بها وحلولها في ذيل قائمة القضايا الدولية. ويستغرب المتابع لما ينشر من أخبار، وما ينقل من تصريحات، وما يجري من اتصالات، الفجوة الواسعة التي تفصل بينها وبين ما يجري في الواقع وعلى «أرض القضية» بحيث يتولد لديه انطباع مفاده أن الجهد الحقيقي المبذول يسير في اتجاه تصفية القضية وليس تسويتها، إلا إذا كانت «التسوية» تعني الهدف الذي تريد القيادة «الإسرائيلية» أن تصل إليه!
فمن جهة، وباستثناء موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبيته الأبيض، الذي ليس لديه إلا ما يسميه «صفقة القرن»، والتي تبقي أبواب التسوية مفتوحة على كل الاتجاهات والمقترحات، فإن موقف الإدارة الأمريكية المعبر عنه بلسان الخارجية الأمريكية و«مسؤولين» أمريكيين في مواقع أخرى رفيعة، يفيد بأن الإدارة لا تزال تتمسك بما يسمى «حل الدولتين». في الوقت نفسه، تصدر تصريحات عن وزراء ومسؤولين أوروبيين تشير إلى موقف مماثل يتمسك بهذا الحل. ومؤخراً، حتى بريطانيا صدر منها على لسان «مسؤول كبير» أنها مع «حل الدولتين». وأيضا الأمم المتحدة لا تزال تعلن، بين حين وآخر، أنها لا ترى حلاً غير «حل الدولتين»! لكن من جهة أخرى، فإن التصريحات التي تصدر عن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» خصوصاً بعد لقاءاته مع مسؤولين من هذه الدول، وكذلك كبار المسؤولين في حكومته، والأهم ما يتخذ من إجراءات تقدم عليها الحكومة «الإسرائيلية»، كلها تدل على أنها مادة للاستهلاك أو ذر الرماد في العيون!
فماذا يجري فعلاً على الأرض؟ بداية، جاء في تقرير لمركز الإحصاء الفلسطيني، وعلى لسان رئيسه، علا عوض، أن «الاحتلال «الإسرائيلي» يستغل أكثر من 85 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، إذ لم يتبقَ للفلسطينيين سوى نحو 15 بالمئة». وهذا يؤكد ما هو متداول من أن الاستيطان «الإسرائيلي» لم يبقِ أرضاً يمكن أن يطبق فيها «حل الدولتين». في الوقت نفسه، فإن مدينة القدس ومنطقة (ج) التي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، والتي يفترض أن تمثل الجزء الأهم من أراضي «الدولة الفلسطينية» إما عرضة للمصادرة، أو أن سلطات الاحتلال تضع فيهما «كافة العراقيل، كما تشدد الخناق على التوسع العمراني للفلسطينيين»، كما أشارت علا عوض في تقريرها، وأضافت أن سلطات الاحتلال «تسيطر على 90% من غور الأردن الذي يشكل 29% من مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع الذي عزل 12% من مساحة الضفة»! أما قطاع غزة، فقد أقامت قوات الاحتلال «منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي بعرض يزيد عن (1500 متر) على طول الحدود الشرقية، وبهذا فهي تسيطر على 24% من مساحة القطاع»! فعلى أي أرض ستقوم «الدولة الفلسطينية»؟!
هذا الواقع على الأرض، بقدر ما يظهر زيف الادعاءات التي تتحدث عن «تسوية» تقوم على «حل الدولتين»، بقدر ما يتفق مع النوايا والإجراءات «الإسرائيلية» التي تنعكس في تصريحات المسؤولين الصهاينة، وخصوصاً ما يصدر منها عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وفي آخر زياراته للعاصمة البريطانية للمشاركة في «الاحتفال بمئوية وعد بلفور» الذي أقامته الحكومة البريطانية، ألقى نتنياهو كلمة في «معهد تشتهام هاوس» في لندن، جاء فيها إنه «يبحث عن موديلات ونماذج للسيادة الفلسطينية على الأرض بما فيها دولة من دون حدود مع بقاء المستوطنين»! ورفض نتنياهو فكرة إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية قائلا: إنه «يترتب العمل من أجل حل سلمي يضمن بقاء المستوطنين في بيوتهم» معتبراً إخلاءهم «تطهيراً عرقياً»! وبوقاحته المعهودة، وضع نتنياهو فلسطينيي الداخل مقابل مستوطني الضفة الغربية! وكان واضحاً من كلمته أنه يراهن على «حل إقليمي» تقوده الولايات المتحدة و«دعم عربي»! والجدير بالذكر أنه كان بين الذين استمعوا لنتنياهو وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، إضافة إلى زعيم المعارضة «الإسرائيلية» إسحق هيرتسوغ ورئيس الوكالة اليهودية نتان شارنسكي!
هكذا ما زال نتنياهو في مرحلة التفكير والبحث عن «موديلات للسيادة الفلسطينية»! والسؤال الذي يفرض نفسه، كما يقال دائماً هو: أي «تسوية» يريد نتنياهو وعصابته؟ وهل تؤدي أقواله، فضلاً عن ممارسات حكومته وقواته ومستوطنيه، إلى أي شيء غير التصفية النهائية للقضية الفلسطينية؟ والأهم من ذلك كله، ما معنى كل تلك التصريحات والاتصالات التي تصدر عن/ وتقوم بها السلطة الفلسطينية؟! ألم يتضح بعد أن هذا الاحتلال لن ينفع معه إلا القوة والمقاومة بكل أشكالها لاسترداد ما استولى عليه؟
التعليقات