سمير عطا الله

 دخل ليوناردو دافنشي الذاكرة التاريخية على أنه أهم رسامي إيطاليا في القرن التاسع عشر. وقد ترك خلفه «الموناليزا» التي لا تزال تحيّر العالم حتى اليوم. لكنه لم يكن مجرد رسام أو نحات، وإنما، ربما أكبر حامل للمواهب في البشرية. إليه يُنسب اختراع المظلة الجوية، وآلات الحساب، والعلاجات، وتصميم الهليكوبتر، والمعرفة بالهندسة، والعلم، والموسيقى، والرياضيات، والأدب، والتشريح، وعلم النبات، والفلك، والتاريخ، ورسم الخرائط.

سوف أستخدم عن عمد كلمة «ألطف» لأقول إن ألطف تصاميم دافنشي العلمية كانت الطائرة. لم يفكر فيها من أجل أن تنقل الناس من بلد إلى بلد، أو من قارة إلى قارة، وإنما كوسيلة تبريد وتلطيف الأجواء الحارة: تحمل الثلوج من أعالي الجبال وترشها فوق المدن فتنشر البرودة والانتعاش. لم يخطر له أن يحمّلها القنابل الذرية، أو النابالم الحارقة، أو الوفود الذاهبة إلى مهرجان المربد للشعر!
عندما كنا نمضي الصيف في جنوب فرنسا، كانت هناك حرائق شبه يومية في الغابات والجبال القريبة من البحر. وكانت فرق الإطفاء تسارع إلى الأمكنة براً ومعها صهاريجها، فيما تقوم طائرات خاصة بحمل المياه من البحر وتفريغها فوق الحرائق بسرعة 400 كلم في الساعة.
وقد فرح الكنديون فرحاً عظيماً باختراعهم الجو - مائي فسموا قاذفة المياه «كندا إير» لكي لا يخطر لأحد السرقة والنسخ. أما أنا ففرحت لأنني حلمت بتطبيق الفكرة في لبنان. طبيعتنا شديدة الشبه بجنوب فرنسا، والمياه تزنر البلد. وما إن يبدأ الصيف حتى تبدأ الحرائق التي تستمر أحياناً أياماً بسبب بطء عمليات الإطفاء.
استغللت ذات مرة لقاء مع مسؤول كبير، وعرضت عليه الفكرة. ويبدو أنه شعر بالإهانة فقال لي «لقد فكّرنا في الأمر من زمان، وقبل قليل فقط بدأنا الخطوات اللازمة لاستيراد هذه الطائرات». شعرت بغبطة حقيقية لأن جمال لبنان في خضرة أشجاره. أو كما قال الشاعر يونس الابن في حماسه: «هالكم أرزة العاجقين الكون». وأترك لجنابك الترجمة عن العامية.
حتى كتابة هذه الكلمات، لم تصل الصهاريج الكندية الطائرة إلى بيروت. لم تُشاهد في الجو، ولا وهي تغرف المياه من البحر ثم ترميها على النيران المشتعلة. ومعدل الحرائق على حاله. وأنا أكتب هذه الكلمات للعزيز ليوناردو لأقول له إن ثمة مهندساً كندياً (أو أكثر) فكر مثله في أن للطائرة أغراضاً أخرى غير نقل الناس، أو قذفهم بالقنابل: ثلاجات ومطافئ.