فاطمة آل تيسان

الغريب أن الكثير من الأسماء التي حامت أو تحوم حولها الشبهات كثيرا ما كانت ترتدي ثوب الصلاح والخشية، بحيث إن الشك لا يساورك أن صاحبنا ينهب ويسرق الحق العام

في الوقت الذي ما زلنا نحاول استيعاب حركة التطهير والتغيير في المرحلة الجديدة للدولة السعودية الحديثة، إلا أن تفاعلنا مع خطوات الإصلاح كان سريعا جدا، وتمنينا لو استطعنا حصر كل التجاوزات والجرائم التي ارتكبها بعض ضعاف النفوس في وقتا قياسي خوفا منا أن الزمن قد يتوقف قبل أن يكتمل الملف وينال كل من أسهم في تكوينه ما يستحقه من العقاب.
نعي عظم الخطوة ونعي أيضا السنوات الطويلة التي نخر فيه الفساد أساسيات وطن عظيم، وصادر حقوق الكثير من أجياله، بعضهم رحل عن الحياة والآخر تعايش مع الوضع وكأنه واقع لا مناص منه، لا أحد كان يفكر أن هذا الأمر سيثار يوما، وساعد في حالة الشعور هذه أن المحاولات التي كان يقوم بها بعض الناشطين من الإعلاميين أو غيرهم بهدف لفت النظر إلى وجود هذا الداء في المؤسسات والإدارات الحكومية كان يقابل بالاستهجان، والرفض .
ولعل في من أثار مشاكل التوظيف وما يحصل فيها من تلاعب خير مثال، حيث إنه هناك إدارات وأقساما جل موظفيها من عائلة واحدة، وكان هذا التجاوز الأكثر وضوحا ومجاهرة، مما أثار حفيظة المراقبين ودفعهم للتساؤل، حول السلطة التي منحت لهؤلاء حتى جعلتهم يتملكون هذه الإدارات، ويتوارثون مناصبها دون الخوف من المساءلة، طبعا هناك من استغل مسألة الاختلاف، ربما مناطقيا أو قبليا حتى يستأثر لنفسه ومن حوله بهذه المزايا مطمئنا أن أحدا لن ينكر عليه صنيعه، وبحكم أن هذا الداء اكتشف وتجري مكافحته الآن، وبما أن التمييز العنصري أحد أركانه فإن الوقت قد حان لإصدار قانون يجرم العنصرية بكافة أشكالها، فهي لم تكن أحد العناصر فحسب.
وإذا كانت الفكرة جازمة وحازمة فلا بد من البحث عن أساسيات هذا الأمر وتقويضه، وإنصاف من وقع عليه الظلم من سيادة السلطة المطلقة التي منحت لمدير أو وزير فآثر نفسه وخاصته بالنصيب الأكبر، تاركا النزر اليسير أو ربما الفتات لغيره طبعا في ظل موت الضمير، والتأكد أنه في مأمن من العقوبة.
وإذا نظرنا إلى موضوع الفساد بشمولية فإن سرقة المال العام ليست إلا واحدة من أساليب أربابه، قد تكون هي الأعظم، نتفق على ذلك ولكن مصادرة الحقوق والظلم لأجل ظن أو حكم شخصي أليست نوعا من الفساد؟ أيضا الواسطة لأجل التجاوز عن شروط وظيفة أو منصب ليظفر بها ابن فلان عن غيره أو لترسي مناقصة على شركة أو مؤسسة لأشخاص بعينهم، ألا تعتبر فسادا هي الأخرى؟ الصكوك وكوارثها، التوظيف الوهمي، الشوارع التي تحفر وتردم في السنة عشرات المرات، القبول في الجامعات والتوظيف في عمادات الكليات، أضف إلى ذلك تقاعس الموظف أو المعلم عن القيام بواجبه، وهنا نثني على ما نسب لوزير التعليم بقوله إن عدم أداء المعلم لأمانته يعتبر فسادا، هذا قليل وغيره أمثلة كثيرة توضح مدى طغيان البعض ممن لم يكونوا أهلا للأمانة مع الأسف، وعلى الرغم من أن فسادهم واضح وجلي غير أن إيهامهم الناس أن هناك جهات تحرسهم جعل من لديه هاجس لفضحهم يتراجع.
ولن ننسى أن البعض من هؤلاء استغل الإعلام لصالحه، بل وهناك العديد من الموظفين تحت إدارته باعوا ضمائرهم، كما هو حال بعض المسؤولين في إدارات العلاقات العامة والإعلام في بعض الجهات، حيث انبروا مطبلين مزمرين يروجون الأكاذيب عن إخلاص وتفاني ذلك المسؤول وإنجازاته، وهي في الحقيقة لم تكن سوى ستار يخفي وراءه العديد من التجاوزات التي استولى من خلالها على ملايين الريالات.
الغريب أن الكثير من الأسماء التي حامت أو تحوم حولها الشبهات كثيرا ما كانت ترتدي ثوب الصلاح والخشية، بحيث إن الشك لا يساورك أن صاحبنا ينهب ويسرق الحق العام وربما الخاص أيضا، بعض الشخصيات، وهذه حقيقة، تحلل لنفسها الفعل متكئة على مقولة إن مال الدولة حلال اسرقه دون خوف!! أوليس هذا الحق عاما يتشارك فيه جميع المواطنين بينما ترعاه الدولة؟ أوليس من حق كل مواطن أن يرفع قضية ضد من سلب حقوقه؟ وكما حلل لنفسه النهب فغيره من حقه هو الآخر أن يطالب بنصيبه، هكذا تكون العدالة التي نتوسم ونتأمل أن تكون الخطوة الأولى للتنظيف ثم وضع الأسس الجديدة التي ينطلق منها الجيل الجديد. أما الآباء والأمهات فحتى إن لم يسعفهم الزمن للمساهمة في دفع عجلة المستقبل المضيء فإن شعورهم أن أبناءهم في أمان كافٍ ليكونوا بخير، متداركين موجة القلق التي تعصف بهم كلما استعرضوا شريط الذكريات الذي رافقهم في مدارسهم وجامعاتهم ووظائفهم، لم يكن بالجمال الذي يتخيله أبناؤهم وإن زينوه لهم، فقد تخلله العديد من المحطات المؤلمة إن لم تكن ضياع حق فهو سوء تعامل وإنكار جهد، وفي النهاية دفع ضريبة النزاهة والإخلاص التي كانت مانعا لهم من الانغماس في مستنقع الواسطة والإكرامية والترقية إلى مرتبة كبرى.