فيصل العساف

 لو أن فكرة ادعاء احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية عُرضت على إبليس كسيناريو يتم من خلاله إلهاء اللبنانيين عن مضمون استقالته، فإنه -أي الشيطان- لم يكن «ليقبل بها»، وأظن أنه كان سينظر إلى صاحبها بشيء من الازدراء والاستغراب من التجرؤ ولو بالمزايدة على علاقة السعودية بالحريري، والعكس.

إلا أن خبراً ملفقاً كهذا أخذ في الواقع حيزاً كبيراً من الزخم السياسي والإعلامي خلال الأيام الماضية، بعد أن استغلت فئة ترتيب السعوديين بيتهم الداخلي لتضرب ضربتها التي لم تكن في الحسبان، متخذة من تلك العلاقة الممتدة، بتاريخيتها ورمزيتها، ذريعة لوصم السعودية بالمراوغة، الشيء الوحيد الذي يعلم حتى «ألد» أعدائها بأنها لا تجيده، فلا أتصور أن الإيرانيين -على سبيل المثال- وهم يستمعون لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حين قال: «سننقل المعركة إلى أرضهم»، أنهم فهموا شيئاً آخر، سوى أن السعودية عاقدة العزم على دحر مشروعهم وفي عقر دارهم.

بالعودة إلى الرئيس الحريري، الذي كان يشير في خطابه إلى لبنان، فيما كان هناك من ينظر إلى يده بحثاً عن ساعته! فإنني شخصياً لا ألومه عندما بكى في لقائه التلفزيوني، فالذي «سُلب» من لبنان هو الحكمة، والعقل، وذلك أكبر من محاولات التعافي التي سعى إليها الحالمون. لذلك، فإن السياسة السعودية الحالية تجاه لبنان تبدو واقعية جداً بالنظر إلى منحنى الأحداث التصاعدي، الذي دعا السعوديين إلى أن يقرروا أخيراً رفع أيديهم بشكل كامل عن الذي لم يعد يسبب «وجع راس»، بل تعدى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. لبنان اليوم أصبح مبضعاً في غرفة جراحة إيران التي تقطّع جسد الدول العربية! لقد حوّل الإيرانيون تلك الشمعة التي كانت تضيء عتمة المنطقة برمتها إلى مكب للأحقاد، بإشراف مباشر من «حصان طروادة» أو «حزب الله» الذي استطاع الهرب إلى الأمام عبر نافذة الفهلوة السياسية التي يجيدها، فلم يبدُ مضطراً للإجابة عن دوافع استقالة الحريري، وأهمها أن الدولة تم اختطافها بسلاح الحزب الإرهابي الجاثم على صدر لبنان.

إن محاولات شيطنة السعودية التي يتبنّاها لبنان الرسمي هذه الأيام، لن تضرها في شيء، والأزمة القطرية خير شاهد، لكنها نكأت جرح الجحود العميق، الذي سعى السعوديون على مدار تاريخ العلاقة التي تربطهم بلبنان إلى تضميده، على رغم مدلولاته المهمة، وأبرزها أن النيات الحسنة لا مكان لها بين ألاعيب السياسة والمصالح الضيقة.

مثّلت استقالة الرئيس سعد الحريري طوق نجاة للسياسيين اللبنانيين، لو أنهم تعاملوا معها بعيداً من حظوظ النفس، التي من الواضح أنها تأتي عند أولئك في مرتبة أعلى من مرتبة لبنان، بلدهم! لقد أرادها الحريري أزمة انعتاق للبنان من طغيان «حزب الله»، وأدارها رسميو الدولة بعيداً من المسؤولية وفي شكل أزمة احتجاز، قبل أن يُسقط في أيديهم، عندما طار الحريري بملفات لبنان المثخنة إلى العالم أخيراً، بحثاً عن «التسوية» بمفهومه هو، وبدعم مباشر من السعودية، نحو لبنان جديد، منزوع المخالب الإيرانية.