صالح الفهيد
يشعر الكثير من السعوديين في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها منطقتنا بغضب مكتوم، وخيبة أمل كبيرة من إخوانهم العرب شعوبا وحكومات على مواقفهم المتخاذلة تجاه السعودية في مواجهتها المشروع الإيراني الإستراتيجي الخطير الذي يستهدف الهيمنة على العالم العربي، ويتنامى هذا الشعور يوما بعد آخر وهم يرون بعض الحكومات العربية تدير ظهرها لبلادهم في هذه الأزمة، غير مبالية بخطورة المشروع الإيراني على الأمن العربي، وعلى أمنها الوطني.
والسعوديون الذين يتذكرون بكثير من الاعتزاز والفخر مواقف بلادهم مع الدول العربية في أزماتها، وأوقاتها الصعبة، وأحداثها المفصلية.. يتساءلون بمرارة: وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فالسعودية وعبر تاريخها الطويل تمتلك سجلا مشرفا في وقفاتها العروبية الصادقة مع العرب شعوبا وحكومات، ويكاد لا يوجد بلد عربي لم يكن للسعودية أياد بيضاء عليه، امتدت له بسخاء وقت الأزمات والمنعطفات الصعبة والحاسمة، ولا أريد هنا أن أذكر بهذه الوقفات، فمن جهة المساحة لا تتسع، ومن جهة أخرى لا نريد أن نبدو وكأنما نمن بها عليهم.
ويعلم إخواننا العرب الذين نعتب عليهم كثيرا، أن السعودية التي تحملت جراء وقوفها بثبات وصلابة مع أشقائها وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لهم، تحملت الكثير من الصعوبات في علاقاتهم الدولية، وغامرت أحيانا بعلاقاتها مع أقوى حلفائها الدوليين.
لقد صدمنا كسعوديين عندما علمنا أن 10 دول عربية امتنعت عن التصويت لصالح مشروع قرار قدمته السعودية ودول أخرى للأمم المتحدة يدين انتهاك إيران لحقوق الإنسان وأن 4 دول عربية صوتت ضد القرار!
أليس من حقنا كسعوديين أن نغضب وأن نحزن وأن نشعر بالخيبة والمرارة من إخواننا العرب الذين «بخلوا» علينا بموقف سياسي عابر، فكيف لو تطلب الأمر ما هو أهم من ذلك؟
أليس من حقنا أن نشعر بالخذلان ونحن نرى مواقف إخواننا العرب الذين ندافع عنهم في وجه المشروع الإيراني التوسعي الطائفي «الميليشياوي» الذي يستهدف دولهم بنفس القدر الذي يستهدفنا، ويشكل خطرا على أمنهم واستقرارهم بنفس القدر الذي يشكل خطرا على أمننا واستقرارنا؟
ألا يدرك بعض إخواننا العرب أن «لعبة الدم» التي أطلقها الإيرانيون في أكثر من بلد عربي ستصل إلى بلدانهم إن عاجلا أم آجلا ما لم يقفوا الموقف الصحيح؟
ولماذا يتجاهل إخواننا العرب حقيقة أن السعودية تضحي كثيرا وتتحمل الكثير من الأذى والأكلاف السياسية والاقتصادية والعسكرية في سبيل حماية الأمن القومي العربي من خطر إستراتيجي يمثله مشروع «فارسي» حقق اختراقا خطيرا في المنظومة العربية ويسعى الآن بكل ما أوتي من قوة لتثبيت هذا الاختراق لجعله أمرا واقعا ودائما وحقيقة ثابتة على الارض، فيما تسعى السعودية بكل ما أوتيت من قوة لمنع ذلك ورد هذا الاعتداء على أعقابه، ودحره إلى عقر داره.
أجل، السعودية لا تدافع عن أمنها الوطني وحسب، ولو كانت كذلك لقبلت العروض الإيرانية الملحة والمغرية لتقاسم النفوذ بالمنطقة معها، ولقبلت عرض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لتسهيل ورعاية ودعم حوار مع إيران على قاعدة تقاسم النفوذ بالمنطقة، بمعنى أن نقبل بالهيمنة الإيرانية على بلدان عربية مثل العراق وسوريا مقابل أن ترفع يدها هي تماما عن اليمن والبحرين ودول أخرى، ونتقاسم النفوذ في بلدان أخرى مثل لبنان، وتترك لنا الهيمنة على بقية دول الإقليم!!
والحقيقة التي يعلمها الجميع أن الرئيس الأمريكي السابق أوباما وإدارته ضغطوا على السعودية من أجل تحقيق هذا التقاسم مع الإيرانيين، وهذا ليس سرا فقد تحدث به أوباما في حواره الشهير مع صحيفة «أتلانتك».. لكن السعودية ومن منطلق موقف قومي عظيم سيسجله التاريخ بمداد من ذهب رفضت من حيث المبدأ أن تتفاوض مع الإيرانيين على نفوذ لهم في بلدان عربية، وتجاهلت هذا الاقتراح الأمريكي الإيراني وقاومت ضغوط أوباما الذي كان متحمسا له بحجة إراحة المنطقة من الصراع الإيراني السعودي، وكان رفض السعودية هذا سببا إضافيا في تعميق الخلاف مع الإدارة الأمريكية السابقة، وسببا رئيسيا في فتور العلاقة مع الرئيس السابق أوباما.
فهل يعلم إخواننا العرب الذين يقفون الآن على «الحياد» في صراعنا الإستراتيجي مع نظام الملالي في طهران أن الإيرانيين على استعداد تام لبيعهم لنا لو وافقنا على عرضهم المدعوم وقتها من أمريكا، وأنهم لا يزالون على هذا الاستعداد؟
وهل يعلم إخواننا العرب أن الإيرانيين ينتظرون أي إشارة من السعودية للحوار من أجل أن يفاوضونا على خارطة النفوذ في المشرق العربي، وأن الإيراني سيبيعهم من أجل أن نسمح له بحق النفوذ في بلدان أخرى؟
ونحن نتساءل بحرقة وألم، لماذا يتجاهل بعض إخواننا العرب هذه الحقائق، ويتحولون إلى خناجر تطعننا في ظهرنا بدلا من الوقوف معنا؟
ولماذا سمح البعض منهم في أن تتحول وسائل إعلامهم إلى منصات للتهجم علينا، وتشويه مواقفنا الناصعة، والإساءة لنا قيادة وشعبا؟
إننا كسعوديين وبرؤوس مرتفعة نطلب من إخواننا العرب أن يرفعوا رؤوسهم ويفتحوا عيونهم ليروا الخطر الإستراتيجي الذي يمثله المشروع الإيراني.
يا ترى.. متى يفعلون.. قبل فوات الأوان، أم بعده؟
التعليقات