محمد حسن الحربي 

لم يُرَ الأردنَ يعاني إلى هذا الحد من قبل مثلما هو اليوم، فوضعه الاقتصادي صعبٌ واستولد عدّة مشكلات بعضها قد يتعقد، مما شكل ضغوطاً اقتصادية قوية على المجتمع وخطط التنمية الوطنية، في بلدٍ كان حتى الأمس نشطاً في حضوره العربي.

إن أمراً كهذا إذا استمر قد يفتح باباً على مزيد من الظواهر السلبية بينها الجريمة نتيجة لارتفاع نسبة البطالة بين الشباب. مناخات كهذه في الغالب ليست صحيّة بل خطرة، يُخشى منها دفع الشباب إلى تبني الأفكار المتطرفة وربما الانزلاق إلى الإرهاب الذي يضرب اليوم في المنطقة العربية والعالم على حدٍ سواء. هذا البلد الذي يزداد ضيقاً يوماً بعد يوم، بسبب موقعه وسط دول مأزومة هي العراق وسوريا وفلسطين المحتلة، ما أغلق الباب أمام صادراته المتواضعة إليها، واستيراده منها حاجاته الأساسية. إذا أضيف إلى ما ذكر، الموارد المحدودة والشحيحة للأردن، فإننا وبلا مبالغة نكون أمام (قصة ذبولٍ مُعلَن) لبلد عربي كان عوناً ولم يتأخر يوماً عن القيام بواجباته والتزاماته العربية، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم. لعله كان من أوائل البلدان التي عانت من الإرهاب ونبّهت من خطورته وممارساته الوحشية على البشر والحجر. ولعلنا نذكر سيئ الذكر (أبو مصعب الزرقاوي، أردني الجنسية)، الذي لقي مصرعه في العراق عام 2006، وكان أول من بدأ عملية الانشقاقات عن «القاعدة»، ووضع حجر الأساس لـ«داعش».

لكن ترى ما الذي جعل الأردن يصل إلى حال صعبة كهذه؟ هل كان الأمر مفاجئاً؟ في الحقيقة إن ما حدث للأردن يصعب القول إنه كان مفاجئاً، فما حدث له قد يحدث لغيره، إذا اجتمعت على نحو سريع وغير متوقع، عدّة أمور مع بعضها لتكون مصدراً خصباً لمشكلات عدّة يصعب التنبؤ بنهايات قريبة لها. وإذا كانت محدودية الموارد الطبيعية في الأردن وشحّها معروفةً للجميع، وأزمات البلدان العربية المجاورة له كالعراق وسوريا وفلسطين المحتلة، باتت معروفة هي الأخرى للعالم، حيث صعّبت عليه عمليتي التصدير والاستيراد، فإنه لن يتبقّى هنالك من أسباب أخرى سوى اثنين أو ثلاث: الأول، تدفق اللاجئين السوريين على الأردن جراء الحرب الدائرة في بلدهم بأعداد كبيرة بلغت حوالي مليون وسبعمئة ألف لاجئ مسجّل وفقاً للإحصاءات الرسميّة، مما شكل ضغطاً اقتصاديا غير مسبوق (كاستهلاك الموارد والسلع التجارية ومزاحمة فرص العمل مما رفع نسبة البطالة بين فئة الشباب) إضافة إلى المزاحمة في مجال التعليم إلى جانب الضغط الأمني. الثاني، تطبيق بعض دول الخليج للإجراءات الضريبية، دفع بآلاف الأسر الأردنية للعودة إلى الوطن، وهذا زاد الطين بلةً، إذ رفع نسبة الضغوط على الاقتصادي الوطني من جانب، وأسهم من جانب آخر في خفض لافت لتحويلات المغتربين الأردنيين في بلدان الخليج والبالغة حوالي مليار وثمانمئة مليون دولار سنوياً. السبب الثالث، وقد همس به أحد الوجهاء الأردنيين طالباً غفل اسمه، انشغال بعض دول الخليج وحرصها على النهوض بالتزاماتها الإنسانية والدولية الكبيرة والمتعددة، إضافة إلى حرصها على تنفيذ خطط التنمية الوطنية الخاصة بها، هذه العوامل جعلها تعيد النظر في قائمة مساعداتها المالية للبلدان ذات الأولوية في الرعاية وبينها الأردن.