نوال السعداوى
تأتى التعليقات متعددة ومختلفة على ما أكتبه ومنه مقالى المنشور بالأهرام منذ أسبوعين بعنوان: كيف تصنع المرأة رجلا إرهابيا؟ تمتد التعليقات وتحتدم الأفكار بين القارئات والقراء أنفسهم، تنقد القارئة منى حسين تعليق القارئ حميد الواسطي، وتشرح له ما غاب عنه من الأفكار الواردة فى مقالى المنشور، مما يكشف أن كل عقل يقرأ ما يريد أن يقرأه أو ما يستطيع أن يقرأه أو يفهمه أو يتخيله، من الكلمات والأفكار المنشورة أمامه.
وكان حميد الواسطى عنيفا فى هجومه على المسلمين أجمعين، لدرجة أنه كتب فى تعليقه يقول «كل إرهابى مسلم» رفضت القارئة منى حسين هذا المنطق وكتبت تقول «يا سيد حميد الواسطي» لا يمكن أن تنسب الإرهاب الى الأديان، وكان مقال الدكتورة بالأهرام واضحا، وكشف عن أننا نغرس بذرة الإرهاب فى أعماق الطفل بواسطة لعبة القتل والانتصار على الآخر، وهناك قوانين عالمية ومحلية تمنع الإرهاب وتحمى الأطفال من العنف، لكن هذه القوانين تقف عاجزة أمام شركات التصنيع والتجارة بالأسلحة والمفرقعات، وألعاب القتل والضرب، وترسيخ ثقافة العنف والعدوان على الآخرين، وإنتاج أفلام كرتون ولعب أطفال تمثل القتل والجريمة، الأمر كله يتعلق بأرباح الرأسمالية فى السوق، التى لا يعنيها إلا أن تبقى مسيطرة تتحكم فى العالم.
ويشمل تعليق حميد الواسطى أبعادا للإرهاب تتجاوز القتل بالسلاح والتفجيرات، مثل إشاعة الخوف والتخويف ، واستخدام اللغة والإعلام أو وسائل أخري، لإثارة الرعب فى الإنسان من أجل استغلاله أو خداعه لإيقاعه فى ورطة أو تلبيسه تهمة باطلة، الإرهاب يشمل أى عمل غير أخلاقى ينتهك الكرامة الإنسانية لتحقيق مصالح معينة .
وفى تعليق «ركاش يناه» جاء الآتي: نعم تحولت الاحتفالات بالأعياد الى مباريات نارية، وقد نشرت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية عن إصابة شاب مصرى بجروح خطيرة فى جسمه اسمه عثمان السعيد فى أثناء الإحتفال بليلة زواجه، وقد شمل الاحتفال كالعادة إطلاق رصاص فى الهواء تعبيرا عن الفرح والسعادة، إحدى الطلقات النارية أصابت العريس عن طريق الحطأ، وبدلا من النوم فى بيت الزوجية السعيد أصبح نزيل المستشقى بين الحياة والموت.
وفى تعليق «نباهات فؤاد»، تقول: نعيش عصر الإرهاب الذى يمتد فيه العنف الى الكوكب الذى نعيش فوقه وهو الأرض، وما فيها من هواء وماء ونبات وحيوان وإنسان، مما يهدد بموت هذا الكوكب وتحوله الى ثقب أسود، لهذا تجمع أكثر من ألف وخمسمائة عالم من القارات الخمس وجهوا إنذارا للقوى التى تتحكم فى عالمنا، وقالوا لهم: إن لم تتوقفوا عن تلويث كوكبنا بنفاياتكم الصناعية والتجارية وحروبكم الكيماوية والبيولوجية والذرية والنووية والثقافية والإعلامية، فسوف تموت الأرض وما عليها، حتى مياه المحيطات اختنقت بالنفايات، ومنها مادة البلاستيك التى أدمنت الأسماك على أكلها حتى الموت.
وفى تعليق «سيف الدولة» يقول: قرأت خبر موتك يا دكتورة أكثر من مرة فى الإنترنت، وبقدر ما حزنت، فرحت، لأنك تعيشين، رغم أنف من يتمنون لك الموت فى خيالهم المريض، وهذه الشائعات الكاذبة عن موت الآخرين هى نوع من الإرهاب الذى يحاول القتل بالشائعة والخبر الكاذب، ماذا تشعر كاتبة مثلك حين تقرأ بعينيها خبر موتها؟ هل تشعرين بصدمة الإرهاب كما نشعر نحن قراءك وأحباءك؟ وهل يغمرك الفرح، كما يغمرنا، حين نقرأ تكذيبا للخبر ونعرف أنك تعيشين؟ وهناك إرهاب آخر مؤلم يفرضونه علينا منذ ولادتنا، كما حدث لي: كتب أبى فى شهادة ميلادى اسما غريبا عنى « سيف الدولة» ، كم أشعر بالألم حين ينادينى أحد يا سيف وفى حياتى كلها لم أعرف ملمس السيف، ولا مطواة ولا موس حلاقة، ويعانى أخى الأصغر أيضا من اسمه سيف الدين وهو إنسان رقيق مسالم، فلماذا يطلق الآباء على أطفالهم الأبرياء هذه الأسماء الإرهابية المشتقة من الأسلحة القاتلة؟ ولماذا تلعب الأمهات دورا فى ترسيخ العنف والإرهاب فى نفوس أولادهم تحت اسم الرجولة، كما جاء فى مقالك المنشور بالأهرام؟ وأنا أتفق معك تماما أننا فى حاجة الى اقتلاع جذور العنف والإرهاب منذ الطفولة، وإعادة تعريف «الرجولة» والفصل التام بين الرجولة والحماشة والخشونة والعنف والضرب بالسيف أو بالرصاص أو بالقنابل أو بالشائعات الكاذبة والكلمات الجارحة.
التعليقات