علي القاسمي
السلوك الإيراني التخريبي والمحاولة المستميتة لجر مناطق الشرق الأوسط إلى ميادين للصراعات وحمامات الدماء والانقلابات، ليسا سلوكاً حديثاً أو عصياً على القراءة والاستكشاف والضبط وتعرية التبعات، إلا أن الاستيقاظ قد يأتي في اللحظة المناسبة وإن كانت متأخرة، فبعض من الحضور المتأخر قد يحمل في طياته جملة من منعطفات الخير والأمل والتحول. إيران - وبامتياز - سيدة الإرهاب الأولى وزعيمة الميليشيات وصاحبة السياسة العدائية الصريحة من دون أن يكون ثمة تصدٍّ عالمي رفيع المستوى لهذه السياسة والخطر المصاحب.
حين ندقق في تفاصيل الشر الذي يحيط بأقطار عربية، ونتأمل صراخ الأحزاب المسلحة، ونتوقف عند النزاعات الطائفية، يكون واضحاً وجلياً أن إيران هي العمود الفقري الذي يتربع خلف الشر والأحزاب والنزاعات، وسجلها حافل بعمليات الإجرام والتجسس والاغتيال والتمويل والدعم. حينها، لم يكن العالم بأسره غائباً عن الوعي لمعاينة هذا السجل الفاضح ومتابعته وملاحقته، لكنه كان منشغلاً عن الأهم والمستفز بما هو أدنى وأقل، وينظر إلى مناطق الصراع بنصف عين، فموازين المصالح لم تُحسب جيداً ولم يحسب معها أن الخطر المسكوت عنه ينمو ويكبر وقد يزعج راحة القوى الكبرى في يوم لا تريد فيه أن يزعجها أحد.
جاء دخول السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة في ملف إيران بهذا الوضوح بمثابة الدخول الباعث على الأمل، وجاء مفرحاً ما جاء على لسانها من نية ذهاب واشنطن إلى اتخاذ خطوات جريئة جدية وجذرية لوقف حالة الارتباك التي عاشتها السياسة الأميركية نحو الخطر الإيراني وتعاملها معه بما يمكن أن أصفه شخصياً بالاحتواء غير المبرر وتراخي الإدراك الذي من شأنه أن يجعل الاستقرار في الهامش والأمان على المحك. ما يحتاجه العالم في الوقت الراهن أن يضع تحت جملة السفيرة الأميركية التالية مئات الخطوط، وعليها يبني خطة العلاج وخطط الإصلاح. الجملة تقول: «لا توجد جماعة إرهابية في الشرق الأوسط غير مرتبطة بإيران وأظنها جملة كافية جداً لمعـــرفة ماذا يريد هذا الخطر بالعالم وإلى أين يتجه بالضبط».
المجتمع الدولي - برفقة الاستيقاظ المتأخر – عليه أن يركن ويركل جمل التخدير المتمثلة في التعبير عن القلق والتشديد على المضي في الحلول. التعبير أخذ كثيراً من الحبر والوقت وأجهد عضلات اللسان، أما التأكيد فهو لم يتجاوز بعد حواجز التصريحات والتوصيات وجلسات الختام. وفي الزمن الطويل الذي عاشه الجمع العالمي ما بين التعبير والتأكيد كان الشر الإيراني يراوغ ويناور ويمزق ويحرق، كان هذا الخطر يفعل ما يريد فقد أدرك أن حريته في العمل لا قيود لها. كان حينها يبتلع العواصم بهدوء، ويوزع مسرحيات التآمر، ويضرب الإبر المسمومة هنا وهناك. ولعل المجتمع الدولي يشمر عن ذراعيه ولو في وقت أشبه بالوقت الضائع لوقف العبث الدموي الإيراني المتمثل في مخططات التوسع وتصدير الثورات وصناعة الإرهاب والاضطراب، المرحلة المقبلة باختصار يجب أن تكون مرحلة الانتقال من النيات على الورق إلى تنفيذ استراتيجية الردع والمنع.
التعليقات