هادي اليامي

الآن بات واضحا أن اليمن هو أول ميادين المواجهة الدولية مع إيران، وعلى التحالف أن يشرع فورا في تسريع عملياته وتوسيع نطاقها، ولتكن البداية باستعادة صنعاء والحديدة لخنق الانقلابيين

بعد ساعات قلائل من تأكيد الولايات المتحدة مسؤولية إيران التامة ووقوفها وراء محاولة المتمردين الحوثيين إطلاق صاروخ باتجاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض، وإعلان مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أن فرق التحقيق التي تابعت هذا الملف والبحث عن مصدر الصاروخ توصلت بما لا يدع مجالا للشك إلى أنه إيراني الصنع، سارعت ميليشيات الحوثيين الانقلابية إلى محاولة إطلاق صاروخ آخر على الرياض، لم يكن حظه بأفضل من سابقه، حيث أسقطته الدفاعات السعودية، دون أن تنتج عنه أضرار مادية أو بشرية.
وكانت تقارير دولية مختلفة قد أشارت إلى أن عناصر تابعة للحرس الثوري تقف وراء تهريب الصواريخ الإيرانية عبر ميناء الحديدة الذي يقبع تحت سيطرة الانقلابيين، وهي ذات النتائج التي توصل إليها فريق تحقيق دولي تابع للأمم المتحدة، زاد على تلك الحقائق بأن كوادر تابعة لحزب الله اللبناني هي التي تولت -بإيعاز من طهران- إطلاق الصاروخ من مناطق يسيطر عليها المتمردون الحوثيون، بالقرب من الحدود مع المملكة.
الإعلان الأميركي يكتسب عددا من الدلائل المهمة، هي أن الولايات المتحدة، ورغم عدائها العلني للنظام الإيراني لم تشأ إطلاق اتهاماتها فورا، حتى لا يفهم أن دوافع سياسية تقف وراءها، فاستغرق فريق التفتيش ما يتجاوز 40 يوما، حيث إن الصاروخ أطلق في الرابع من نوفمبر الماضي، ولم تعلن فرق التحقيق الأميركية النتائج التي توصلت إليها إلا بعد مرور هذه الفترة الطويلة، بعد أن جمعت عينات من ذلك الصاروخ، وأخضعتها للتحليل والفحص، وربطت نتائج ذلك التحليل بمعلومات استخبارية تحصلت عليها سابقا، وقارنت ما توصل إليه الخبراء بنتائج الفريق الدولي التابع للأمم المتحدة، فكان التطابق الكامل في النتائج، كما أن المسؤولة الأميركية لم تنطلق في اتهاماتها لطهران من عبارات إنشائية أو كلام مرسل، بل أثبتتها بالأدلة التي لا تقبل التشكيك، وعقدت مؤتمرها الصحفي وهي تقف أمام بقايا الصاروخ المتحطم.
استعرضت هيلي معلوماتها الموثقة، وأكدت أن بقايا الصاروخ تشير إلى أن تصميمه ومواصفاته الفنية تتطابق تماما مع عناصر الصاروخ الإيراني «قيام1». الملفت في حديث هيلي هو إعلانها أن سبع دول كبرى شاركت في تحليل بقايا الصاروخ، من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، واتفق خبراؤها على النتائج المعلنة، ومشاركة خبراء هذه الدول في تلك العملية تشير إلى أن الولايات المتحدة لم ترد مجرد إشراكهم في إعلان تورط إيران، بل هي مقدمة لعمل دولي جماعي يستهدف وقف تدخلات طهران السالبة في شؤون دول المنطقة وتصديرها للإرهاب، وما يعزز هذه الفرضية هو حديثها الصريح عن الترتيب لعرض تلك الأدلة على سفراء المزيد من الدول وممثليها في الأمم المتحدة «لإنشاء تحالف بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط»، حسب تعبير هيلي، وهو ذات ما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكتوبر الماضي عن ضرورة حصار نفوذ إيران في المنطقة، عبر إستراتيجية هجومية جديدة تشارك فيها كافة الدول الكبرى. وهذا التوجه الأميركي الجديد لا ينطلق فقط من رغبة واشنطن في دعم حلفائها، ولكن لإدراكها أن البرنامج الصاروخي الذي تعكف طهران على تطويره، في مخالفة واضحة لنصوص الاتفاق النووي وروحه، يمثل تهديدا مباشرا على الأمن الدولي، ويشكل خطورة بالغة على حرية التجارة العالمية، ويبدو التجاوب الدولي واضحا في تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة التي أشار فيها إلى خطر الصواريخ الإيرانية على الأمن العالمي، وكذلك ما أعلنته بريطانيا عن ضرورة اتخاذ موقف دولي موحد لوقف تلك التجاوزات.
حسنا فعل التحالف العربي وهو يشدد الخناق بصورة ملحوظة على ميليشيات الحوثيين في اليمن، فأولى خطوات هزيمة إيران تتمثل في هزيمة الميليشيات الموالية لها، واستعادة الشرعية في اليمن، ونزع سلاح حزب الله اللبناني، وتفكيك الميليشيات المذهبية في العراق، وحصر السلاح بيد الدولة، فمعلوم أن نظام الولي الفقيه أشد جبنا من الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع أي الدول العربية التي يتدخل في شؤونها، بعد أن ظلت تجربة حرب الخليج الأولى ماثلة في أذهان مسؤوليه، لذلك لم يعد أمامهم سوى الاستعانة بعملائهم وأذنابهم ومرتزقتهم الذين جمعهم بذرائع طائفية.
الآن بات واضحا أن اليمن هو أول ميادين المواجهة الدولية مع إيران، وعلى التحالف أن يشرع فورا في تسريع عملياته وتوسيع نطاقها، ولتكن البداية باستعادة صنعاء والحديدة، لخنق الانقلابيين، وتجفيف مصادر دعمهم التي تأتي عبر سفن التهريب، ومما يؤكد اتفاق العالم على ذلك هو أن الأصوات التي كانت ترتفع مع كل تقدم تحققه قوات الشرعية والجيش الوطني، وتطالب بالعودة إلى مسار المفاوضات، قد اختفت في الوقت الحالي، وهو ما قد يعني ضوءا أخضر للمضي قدما في فرض الحل العسكري، بعد أن رفض عملاء إيران كافة الحلول السياسية التي قدمت لهم.
المأزق الذي يواجه النظام الإيراني يتمثل في إحجام روسيا عن تكرار تجربة التحالف مع إيران في دول أخرى، على غرار ما حدث في سورية، فموسكو تشعر بالكثير من الحرج في الوقت الحالي، بسبب الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها الميليشيات الموالية لطهران، وفي ظل التقارب الذي بدأت تتضح تفاصيله بين الرئيسين ترمب وبوتين، ودعوة الأول للأخير للمشاركة في التحالف الجديد، فإن موسكو سوف تعيد التفكير كثيرا قبل أن تغامر بتكرار ما حدث في سورية مرة أخرى، والدليل على ذلك أنها عندما قررت نقل سفاراتها ورعاياها من صنعاء لم تأخذهم إلى صنعاء، بل أرسلتهم إلى الرياض، وهو ما يشير بوضوح إلى أنها عرفت الجهة التي ينبغي الوقوف إلى جانبها، والموقف الذي يمكن أن يحقق مصالحها ويحافظ على وضعها كدولة عظمى مطالبة بالكثير من المواقف التي تحفظ مكانتها الدولية في العالم.