يوسف مكي

الكاسب الوحيد من كل ما يجري الآن على الساحة العربية، هو الكيان الصهيوني، الذي يرى في استمرار الإرهاب ضمانة لأمنه، ولنهبه الحقوق الفلسطينية المشروعة

تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقعه في البيت الأبيض، وسط كثير من الجدل حول سياساته غير التقليدية، سواء فيما يتعلق بالسياسات الداخلية، أو فيما يتعلق بعلاقاته الدولية، ومن ضمنها مواقفه المتناقضة حيال القضية الفلسطينية.
فمن دعوة إلى حفظ المال العام، وعدم إغراق الخزينة الأميركية بالدفاع عن إسرائيل، إلى ما هو أكثر من التعهد بحماية أمن الكيان الصهيوني، والتصريح بأنه سوف يقوم بنقل سفارة بلاده لمدينة القدس. وهي خطوة لم يقدم أي رئيس أميركي على اتخاذها من قبل. 
الرؤساء الأميركيون السابقون منذ عدوان يونيو عام 1967 حتى يومنا هذا لم يقدموا شيئا يستحق الذكر لحل المسألة الفلسطينية، سوى مفاوضات مكوكية لا تسمن ولا تغني من جوع. فباستثناء رعاية الرئيس الأميركي السابق، بل كلينتون لاتفاقية أوسلو، التي لم يكن في الأصل صانعا لها، لم يحدث أي تقدم فيما بات يعرف بالمفاوضات النهائية، التي ضمن برنامجها حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإيجاد تسوية سياسية مقبولة من الجميع لوضع مدينة القدس. 
الشيء المؤكد هو أن جميع الرؤساء الأميركيين تعهدوا بحماية أمن إسرائيل، بدءا من الرئيس ترومان، إلى الرئيس السابق، باراك أوباما، وأوفوا بتعهداتهم. وتعهد ترمب بذلك ليس خارج السياق. لكنهم من جهة أخرى، لم يكونوا جادين في تحقيق اختراقات عملية للتوصل إلى حل سلمي عادل للمسألة الفلسطينية، رغم المحاولات البائسة، التي نشطت في عهد جورج بوش الأب وبل كلينتون، والتي توقفت تقريبا في عهدي بوش الابن وكلينتون. بل إنهم عجزوا عن وقف الانتشار الجنوني السريع للمستوطنات الإسرائيلية، في الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها في حرب يونيو عام 1967.
ما يحرض على هذا الحديث، هو تصريحات الرئيس ترمب بنقل السفارة الأميركية للمدينة المقدسة، وتؤكد معظم المؤشرات أنه سوف يقدم على تنفيذ ذلك. وذلك يمثل تحديا كبيرا للعرب والمسلمين. وكان العرب بموقفهم الجماعي قد حالوا من قبل دون اتخاذ أية دولة في العالم لهذه الخطوة. 
على الصعيد الدولي، هناك تجاهل تام من قبل الأسرة الدولية، للانتهاكات الصهيونية، للقانون الدولي، والتسريع في تهويد القدس. وهناك رئيس أميركي تسلم بالبيت الأبيض، ويبشر بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة، باعتبارها العاصمة الأبدية للكيان الغاصب. 
يحدث ذلك في ظل تصاعد جنوني في بناء المستوطنات والتسريع بتهويد المدينة المقدسة. وتشير جل التقديرات إلى أن ما تآكل من الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها في حرب يونيو 1967، قد تجاوز الـ 55%، من خلال بناء المستوطنات والمعابر، والجدران العازلة. إن ذلك يعني أنه إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإنه لن يعود للفلسطينيين ما يتفاوضون عليه سوى مساحة لا تتجاوز الـ 45 في المائة، من الأراضي المحتلة. هذا إذا توصل المتفاوضون إلى تسوية في هذه اللحظة. أما مع التأجيل والتسويف، وسياسة فرض الأمر الواقع التي تمارسها حكومة اليمين الإسرائيلي، فإن المساحات المتبقية معرضة لتآكل أوسع. وأن هذا الأمر لوحده يشكل سببا كافيا، لصياغة استراتيجية عربية عملية، لوقف بناء المستوطنات، وإنهاء الاحتلال الصهيوني للضفة والقطاع، وإقامة الدولة المستقلة.
إن هذا التطور الخطير، يدفع العرب، للعمل على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية. فالواجب الوطني والقومي، ووحدة الدين والدم، تفرض على العرب جميعا التحرك بسرعة، لمنع نقل سفارة أميركا لدى الكيان الغاصب إلى المدينة المقدسة.
تراجع القضية المركزية للعرب جميعا، للخلف بشكل درامي ومريع يدفع أشقاءنا الفلسطينيين من أجل أن يلملموا شتاتهم ويحشدوا جهودهم، ويمارسوا ضغوطهم، لتجاوز صراعاتهم، ولإعادة الاعتبار للقضية التي كاد أن يطويها النسيان في الأجندات العربية والدولية، ولكي نمارس ضغطا على المجتمع الدولي، من أجل ألا تضيع الحقوق الفلسطينية.
نفهم جيدا، أن الدول العربية مشغولة بهمومها الخاصة، وبمواجهة حالة التطرف، وأن ذلك ربما يفسر الصمت المطبق، حيال القضية الفلسطينية. فبعض الدول العربية البلدان صودرت في السنوات الأخيرة، هويتها وكياناتها، وسحقت جيوشها، ومنشغلة الآن بما يقترب من الحروب الأهلية، كما هو الحال في العراق وسورية واليمن وليبيا. وبعضها الآخر، مشغول بهمومه الاقتصادية، وباحتقان سياسي شديد بسبب اتساع الفروقات بين الغنى والفقر. وبعض ثالث، يخوض حربا شرسة ضد الإرهاب. 
وبقية البلدان العربية تائهة في لجة البحر، تخشى من الطوفان الذي يحاصرها من كل مكان، وتبذل ما في طاقتها للنأي عن لهب النيران المستعرة قريبا منها. 
الكاسب الوحيد من كل ما يجري الآن على الساحة العربية، هو الكيان الصهيوني، الذي يرى في استمرار الإرهاب ضمانة لأمنه، ولنهبه الحقوق الفلسطينية المشروعة. لكن جل القراءات الغربية، تغيب في تحليلاتها، أن من أحد أسباب تفشي ظواهر التطرف في الوطن العربي، هو غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية، وسيادة حالة الاحتقان السياسي وغياب العدل، وانتشار البطالة. وعلاقة هذه الأسباب مع بعضها، كعلاقة الأواني المستطرقة.
إن أية حلول عملية، لأي من هذه المشكلات، ستؤدي إلى خلق بيئة ملائمة ومناخ جيد، يتكفل بخلق ظروف موضوعية تتعزز فيها الشرعية، وقيم المواطنة، وتكون سببا في تراجع الإرهاب والعنف.