إيلاف من دمشق: في 25 ماي من عام 2012، أي بعد عام تقريباً على اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، استفاق الشعب السوري على مناظر هزت الضمير العالمي لضحايا من المدنيين كان بعضهم قد قتل رمياً بالرصاص بينما قتل البعض الآخر بالسلاح الأبيض في مدينة الحولة التابعة لمحافظة حمص وسط سورية.
المجزرة البشعة والصادمة في ذلك الوقت سقط نحو 108 قتلى معظمهم من الأطفال والنساء. وأفاد ناجون بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة حينها "أن مسلحين وصلوا قبل غروب الشمس بقليل بعضهم يرتدي زيا عسكرياً والبعض الآخر بملابس مدنية قبل أن يقتادوا عائلات بأكملها إلى غرف ويقتلوهم بدم بارد".
وبحسب ذات التقرير قال ناشطون إن جنوداً ومليشيا "الشبيحة" الموالية للرئيس الأسد، وأغلبهم من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، هم الذين نفذوا الهجوم على سكان القرية. كما أكدت امرأة لم يكشف عن هويتها في لقطات فيديو إن المهاجمين كانوا من الشبيحة وقد جاؤوا من القرى العلوية المجاورة.
بالتأكيد لم تكن تلك الحادثة تمثل الظهور الأخير لأولئك الشبيحة، فقد تكررت الجرائم والمجازر التي ارتكبوها بحق السوريين في كثير من المدن والقرى والبلدات السورية كداريا في ريف دمشق (25-27 أغسطس 2012)، والبيضا ورأس النبع في مدينة بانياس الساحلية (2-3 مايو 2013)، وكرم الزيتون في حمص (12 مارس 2012)، والتريمسة بريف حماة (12 يوليو 2012) والقائمة تطول، كما أنها لم تكن الظهور الأول أيضاً.
أين هم الشبيحة الآن؟
مع سقوط نظام الأسد، اختفت مجموعة الشبيحة بشكل مفاجئ من الساحة السورية، مما أثار العديد من التساؤلات حول مصيرهم. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض أفراد الشبيحة قد فروا إلى مناطق آمنة في الساحل السوري، خاصة معاقل العلويين مثل اللاذقية وطرطوس، حيث يُعتقد أنهم قد اختبأوا هناك خوفًا من الانتقام أو الملاحقات.
في المقابل، تفيد تقارير صحفية بأن آخرين اختاروا الاندماج في المجتمع المدني أو الانخراط في أنشطة عصابات صغيرة، ما قد يساهم في خلق فوضى وزعزعة الاستقرار في مرحلة ما بعد الأسد، وقد يكون هذا جزءاً من محاولات منظمة لعرقلة أي تحول سياسي أو لضمان استمرار النفوذ في ظل الفوضى.
لكن، من ناحية أخرى، هناك شكوك بشأن ما إذا كانت هذه الظاهرة تتضمن فقط أفرادًا يسعون للنجاة بأنفسهم، أم أنها جزء من أجندات أوسع تهدف إلى الحفاظ على تأثيرهم في مرحلة ما بعد الأسد.
لمحة تاريخية
حسب تقارير صحفية عدة، تعود جذور الشبيحة لثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عندما ظهروا كمجموعات خارجة عن القانون تعمل في التهريب والجريمة المنظمة على الساحل السوري. وهناك قول آخر بأن الشبيحة هم مجموعة علوية مسلحة غير نظامية شكَّلها مالك الأسد ابن ابراهيم الأسد الشقيق الأكبر للرئيس حافظ الأسد عام 1975 بعد دخول القوات السورية إلى لبنان.
واشتُق اسم "الشبيحة" من كلمة الشبح، وهو تعبير محلي يشير إلى سيارات المرسيدس السوداء الفاخرة التي كانوا يستخدمونها في أنشطتهم. في ذلك الوقت، ارتبطت هذه الجماعات بعائلة الأسد وأقاربهم، حيث وفرت لهم مظلة حماية مقابل ولائهم.
كانت هذه الشبكات متمركزة بشكل أساسي في المناطق ذات الأغلبية العلوية، مثل اللاذقية وطرطوس، واستفادت من تغاضي الأجهزة الأمنية عن أنشطتها كونها تتبع أشخاصاً من أقارب الأسد.
أداة قمعية
مع بداية الاحتجاجات في 2011، أعاد النظام السوري توظيف الشبيحة كأداة قمعية. كانت مهمتهم الأساسية مواجهة التظاهرات المناهضة للنظام عبر القتل والترويع، وفي بعض الحالات المشاركة في المجازر الجماعية، كما حدث في الحولة وداريا.
وفي عام 2012، قدرت هيومن رايتس ووتش أن هذه الجماعات مسؤولة عن عدد كبير من الانتهاكات بحق المدنيين، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القانون.
وفي شهر يوليو 2023 نشرت لجنة العدالة والمساءلة الدولية، بالتعاون مع وكالة رويترز، تقريراً يضم سبع وثائق تكشف عن دور مستويات عليا في النظام السوري في تأسيس وتوجيه مجموعات الشبيحة منذ بداية الثورة السورية في مارس 2011. وبحسب التقرير، قام مسؤولون بارزون في النظام بتشكيل هذه المجموعات شبه العسكرية لدعم جهود النظام في قمع الاحتجاجات الشعبية.
وأفاد التقرير بأن محققين في جرائم الحرب قد وثقوا تورط الشبيحة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والتعذيب، بالإضافة إلى جرائم الحرب مثل الاعتقال التعسفي والعنف الجنسي والنهب.
وفي عام 2012، أشار محققو الأمم المتحدة إلى وجود أدلة قوية تشير إلى ارتكاب الشبيحة جرائم ضد الإنسانية، وساهموا في تشكيل اقتصاد حرب داخل سوريا. سيطروا على نقاط تفتيش وممرات لتهريب الوقود والمواد الغذائية، ما جعلهم لاعبين اقتصاديين مهمين في المناطق التي يسيطر عليها النظام.
التعليقات