رندة تقي الدين
احتمال انتخاب مارين لوبن رئيسة لفرنسا لم يعد مستبعداً، على رغم أنها سيدة ولم تشهد فرنسا في تاريخها انتخاب امرأة رئيسة للجمهورية. ولكن، بعد تراجع حظوظ مرشح الحزب اليميني الجمهوري لانتخابات الرئاسة فرنسوا فيون، في شكل كبير بسبب قضية «بنيلوب غيت»، وهي عمل زوجته بنيلوب المشكوك به كمعاونة له في البرلمان وتقاضيها أجوراً بلغت ٨٠٠ ألف يورو لمدة ٨ سنوات، أصبح وصول لوبن إلى الرئاسة ممكناً لأسباب عدة.
وتبدو قرارات دونالد ترامب في الولايات المتحدة بمنع دخول مواطنين مسلمين من ٧ دول، جذابةً لناخبي اليمين المتطرف في فرنسا، فالمشاعر المتطرفة المناهضة للإسلام تتزايد يوم بعد يوم، وحصول أحداث إرهابية، مثلما حدث أخيراً في اللوفر من هجوم شاب مصري بسكين صارخاً «الله أكبر»، تساهم في ذلك. فالتشدد ضد الإسلام يزداد في فرنسا منذ العمليات الإرهابية، من شارلي إيبدو إلى البتكلان إلى هجوم نيس، ولم يعد يقتصر على «الجبهة الوطنية» فقط، بل توسع إلى جزء كبير من الشعب ومن المسوؤلين. وحتى أن فرنسوا فيون ركز خلال حملته على مشكلة إسلام فرنسا وعلى التباهي بصفاته «المسيحية» التي تمنعه من إصلاحات تؤثر سلباً في الفقراء، في حين أن قضية زوجته أثارت رد فعل عنيفاً في أوساط ذوي الدخل المحدود.
وعلاقة بعض الفرنسيين بالإسلام أفقدتهم التوازن تجاه الجمهور المتشدد. حتى أن آلان جوبي المرشح الخاسر الثاني في انتخابات الحزب الجمهوري، وهو من الشخصيات السياسية التي تتميز بالاعتدال والتوازن ومعرفة العالم العربي والإسلامي وتعددية الطوائف الفرنسية، استهدف بحملة لقبته بـ «علي جوبي» لإبعاد الناخبين عنه، كأن الاعتدال إزاء الإسلام خطيئة.
هذه الظاهرة تتزايد وربما توصل مارين لوبن إلى الرئاسة، على غرار ما حدث مع ترامب في الولايات المتحدة، فإذا استمر فيون في ترشحه سيكون في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الثالث من المرشحين بعد لوبن وايمانويل ماكرون المرشح الصاعد لتيار «السير إلى الأمام «en marche، والذي يقول إنه لا ينتمي إلى اليسار واليمين، وإنه ليبرالي التوجه وخارج النظام. لكن ماكرون الذي يمثل الجيل الصاعد والذي أتى من بنك روتشيلد، عمل مستشاراً إقتصادياً للرئيس الإشتراكي فرنسوا هولاند ووزيراً للاقتصاد في حكومته، ثم تحرر منه، عندما استقال بعد خلاف عميق مع رئيس الحكومة السابق مانويل فالس. ولا أحد يعرف ما هو موقف ماكرون من الإسلام في فرنسا فعلاً، لكنه لا يتسم بالتطرف.
إن توقع نتائج الانتخابات الرئاسية في فرنسا ما زال صعباً جداً على رغم عدم استبعاد فوز لوبن التي ستزور بيروت في الأيام القليلة المقبلة وتلتقي الرئيس ميشال عون وربما مسوؤلين آخرين، وبعض مؤيدي حزبها في الجالية الفرنسية في لبنان. وزيارات المرشحين للرئاسة الفرنسية إلى لبنان متتالية. سبقها إليه ماكرون، وكان متوقعاً أن يزور فيون بيروت لكنه اضطر الى إلغاء الزيارة بسبب قضية «بنيلوب غيت». أطلقت لوبن حملتها نهاية الأسبوع، بوعودها بفرنسا مسيطرة على حدودها وعملتها الخاصة، فهي طامحة إلى الخروج من اليورو. واستطلاعات الرأي تظهر تقدم لوبن على المرشحين الباقين في الدورة الأولى في ٢٣ نيسان (ابريل) على أن تخسرها في الدورة الثانية في ٢٩ منه، لمصلحة ماكرون أو غيره، إذا انسحب فيون من السباق الرئاسي.
ولكن، بعد مفاجأة انتخابات الحزب الجمهوري الأولية التي أخرجت جوبي الذي كان الأول في استطلاعات الرأي، لربما تخطئ التوقعات مرة أخرى وتصل لوبن إلى الرئاسة، فكل شيء أصبح ممكناً بعد انتخاب ترامب. تغير العالم، والشعوب بدأت تنتفض على طريقتها، وحتى لو رأى المراقب العادي أن من الصعب انتخاب لوبن، مستنداً إلى تجربة سابقة عندما بقي الرئيس السابق جاك شيراك في السباق الرئاسي بوجه جان ماري لوبن والد مارين، وتوحدت أصوات اليمين واليسار آنذاك لمصلحة شيراك... يبقى أن احتمال تكرار التجربة غير مؤكد، بسبب تغير العالم وتشدد بعض الأوساط الشعبية إزاء الإسلام والهجرة.
التعليقات